أجل من نحبهم، أو نعطف عليهم، فلا يعدو ذلك أن يكون لفتة جميلة، وهو واجب علينا، ولكن ليس هذا هو الذي سينقذهم. فإذا ما بلغت جهودنا غايتها، واستجيبت دعواتنا، فذلك لأنهم يستحقون رضا الله، تبعًا لشرائعه، ولم تكن دعواتنا سوى فرصة تتجلى فيها الإرادة المقدسة، التي كانت حتى ذلك الحين محتجبة.
ولسنا نجد في أي مكان في القرآن الكريم ثوابًا مستعارًا، أو زينة مزيفة، أو عنوانًا على فراغ جواني، فليس ثوابًا إلا من كان ثمرة ناضجة لموقفنا المتعاطف تجاه شرع الله.
ومع ذلك فلا ننس أن هذا الموقف قائم على الكيف، أكثر منه على الكم، فالله يقول: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [1]، ولما كانت هذه القيمة الكيفية متعلقة بألف شرط، فإن العمل الجواني بخاصة هو الذي يصل إلى أعلى درجاتها، ولذلك قال الرسول: "التقوى ههنا"، وهو يشير بإصبعه إلى قلبه[2]، ومن أجل هذا لا نملك القول مسبقًا بأن عملًا معينًا ستكون له هذه الميزة التي تجبُّ خطأ معينًا، إذ لما كنا لا نتصرف في نظام الموازين والمقاييس الذي سيزن الله سبحانه به القلوب، فنحن عاجزون عن أن نحكم على الناس بنفس الطريقة التي سوف يحكم الله بها عليهم، عجزنا عن أن نحكم على أنفسنا بأنفسنا، {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [3].
بيد أن جهلنا بالتفاصيل لا يمتد إلى المبدأ الذي يجعل من السلوك الفردي الأساسي الوحيد للتقدير الأخلاقي وما يتبعه من أنواع الجزاء: فالله سبحانه يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [4]. [1] المائدة: 100. [2] مسلم، كتاب البر, باب 7. [3] النجم: 32. [4] النجم: 39.