تعريف يحدد مفهوم الشفاعة، الذي يختلف كثيرًا عن المفهوم الذي ذكرنا آنفًا. فللشفاعة في هذه النصوص ثلاثة شروط:
1- أن الشفيع لا يقترح التدخل، ولا يسمح لنفسه بأن يتدخل من تلقاء نفسه، وإنما الله هو الذي بيده الأمر، فهو الذي يأذن له بالكلام.
2- أن الشفيع لا يتدخل إلا من أجل من يرتضي الله سبحانه قبوله.
3- أن الشفيع لا يتصرف على أساس جاهه عند الحاكم الأعلى، بل إنه يدافع عن المشفوع له متوسلًا ببعض فضائله، وهو توسل ينبغي أن يطابق الواقع، فها نحن أولاء نرى أن دور الشفيع لا يعدو أن يكون دور شاهد نفي، أو مِدْرَه موثوق به، مهمته إكمال جهاز العدالة المعقد، وعمل الشفيع في هذه المهمة الجليلة أن يعلن الصفات والحسنات الصالحة التي تعوض سيئات المؤمنين، وأن يبرر العفو عنهم، أو استحقاقهم للمثوبة.
وهكذا نرى أن الشفاعة بهذا المعنى، تسبغ شرفًا مزدوجًا على المدافع والمدافع عنه. ولكن هيهات أن تكون القضية دائمًا رابحة؛ ذلك أن أحاديث الشفاعة نفسها تذكر لنا حالات أخطأ فيها الشفيع في صحة الوقائع المروية، وحينئذ ينسحب الدفاع، ويتنازل عن مسعاه بمجرد علمه بالحقيقة.
وهذا هو ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه من أنه في ذلك اليوم سوف يطلب تبرئة بعض الناس الذين يعرفهم كأصحابه؛ خلال حياته في الدنيا، فيقال له: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"، فيقول: "سحقًا سحقًا" [1].
وهكذا نجد أن الحكم يصدر دائمًا تبعًا لفضائل المحكوم عليه، لا على أساس التوسلات. ومهما بذلنا من جهود مضاعفة، ودعوات ورجوات من [1] البخاري, كتاب الفتن، باب 1.