والتأييد، فكانت الاستجابة لهذا الدعاء أسرع مما تصور الداعون، وهو قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9]
لقد تبدلت الحال بعد توحد العزائم على القتال، فازداد المؤمنون توجهًا إلى الله، وتشبثًا بصدق الوجهة، وحرصًا على الموت من أجل الدعوة، على حين تراخت عزائم المشركين حين استهانوا بالمؤمنين، وزادهم البطر والرياء ضعفًا على ضعف، كما قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} [الأنفال: 48] [1] فامتلأوا غرورًا، وتلك هي المقدمات الطبيعية للهزيمة التي ذاقوا ويلاتها على يد المؤمنين، فأشبعوهم قتلًا وأسرًا وإذلالًا، وهكذا - أيها المسلمون - ذاق أصحاب نبيكم حلاوة النصر في أول معركة وعاينوا النتيجة العملية لإيمانهم بالنبي وانتصارهم له، فهذا هو الدرس الأول من دروس غزوة بدر الكبرى.
والدرس الثاني أن بدرًا قد وضعت الإيمان والكفر وجهًا لوجه، فأحس المؤمنون أن الأمر لم يعد يحتمل مساومة أو مطلًا، وأنه لا سلام مع وجود الكفر في جزيرة العرب، وقد آن للإيمان أن يدخل أول امتحان عملي يؤكد أصالته، فإن إيمان المؤمنين كان حتى قبيل غزوة بدر اقتناعًا نظريًا بمعاني الغيب وقيمه، وكانت بدر بما عاينوا فيها من تأييد الله أعظم تأكيد لدور الغيب في حياة المؤمنين، وفي اقتناعهم. لم يعد الغيب سرًّا أو تسليمًا، بل صار ملائكة تهبط من السماء إلى الأرض، ونصرًا لا تضمنه أسباب [1] سورة الأنفال: 48.