responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 2  صفحه : 28
الْيَوْمَ إذَا فَهِمَ مِنْهُ الْمُخَاطَبُ مُعَيَّنًا وَلَوْ بِقَرِينَةٍ خَفِيَّةٍ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ.

فَإِنْ قُلْت: يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ تَحْرُمُ الْغِيبَةُ بِالْقَلْبِ أَيْضًا فَلَا عِبْرَةَ بِفَهْمِ الْمُخَاطَبِ. قُلْت: الْغِيبَةُ بِالْقَلْبِ هِيَ أَنْ تَظُنَّ بِهِ السُّوءَ، وَتُصَمِّمَ عَلَيْهِ بِقَلْبِك مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَنِدَ فِي ذَلِكَ إلَى مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالْغِيبَةِ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْحِكَايَةِ مِنْ مُبْهَمٍ لِمُخَاطِبِك، وَلَكِنَّهُ مُعَيَّنٌ عِنْدَك فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ وَالتَّصْمِيمُ فَافْتَرَقَا، ثُمَّ رَأَيْت مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْ الْإِحْيَاءِ الْغِيبَةُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ؛ وَمِنْ أَخْبَثِ أَنْوَاعِ الْغِيبَةِ غِيبَةُ مَنْ يُفْهِمُ الْمَقْصُودَ بِطَرِيقَةِ الصَّالِحِينَ إظْهَارًا لِلتَّعَفُّفِ عَنْهَا، وَلَا يَدْرِي بِجَهْلِهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ فَاحِشَتَيْ الرِّيَاءِ وَالْغِيبَةِ، كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْمُرَائِينَ أَنَّهُ يُذْكَرُ عِنْدَهُ إنْسَانٌ فَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَا ابْتَلَانَا بِقِلَّةِ الْحَيَاءِ أَوْ بِالدُّخُولِ عَلَى السَّلَاطِينِ، وَلَيْسَ قَصْدُهُ بِدُعَائِهِ إلَّا أَنْ يُفْهِمَ عَيْبَ الْغَيْرِ.
وَقَدْ يَزِيدُ خُبْثُهُ فَيُقَدِّمُ مَدْحَهُ حَتَّى يُظْهِرَ تَنَصُّلَهُ مِنْ الْغِيبَةِ فَيَقُولُ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةِ أَوْ الْعِلْمِ لَكِنَّهُ فَتَرَ وَابْتُلِيَ بِمَا اُبْتُلِينَا بِهِ كُلُّنَا وَهُوَ قِلَّةُ الصَّبْرِ فَيَذْكُرُ نَفْسَهُ، وَمَقْصُودُهُ ذَمُّ غَيْرِهِ وَالتَّمَدُّحُ بِالتَّشَبُّهِ بِالصَّالِحِينَ فِي ذَمِّ نُفُوسِهِمْ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ ثَلَاثِ فَوَاحِشَ: الْغِيبَةُ وَالرِّيَاءُ وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ بَلْ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَظُنُّ بِجَهْلِهِ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الصَّالِحِينَ الْمُتَعَفِّفِينَ عَنْ الْغِيبَةِ وَمَنْشَأُ ذَلِكَ الْجَهْلِ، فَإِنَّ مَنْ تَعَبَّدَ عَلَى جَهْلٍ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَضَحِكَ عَلَيْهِ وَسَخِرَ بِهِ، فَأَحْبَطَ عَمَلَهُ وَضَيَّعَ تَعَبَهُ وَأَرْدَاهُ إلَى دَرَجَاتِ الْبَوَارِ وَالضَّلَالِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ سَاءَنِي مَا وَقَعَ لِصَدِيقِنَا مِنْ كَذَا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُثَبِّتَهُ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ.
وَمَا دَرَى الْجَاهِلُ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى خُبْثِ ضَمِيرِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ بِذَلِكَ لِمَقْتِ اللَّهِ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَعَرَّضُ الْجُهَّالُ إذَا جَاهَرُوا، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِصْغَاءُ لِلْمُغْتَابِ عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ؛ لِيَزْدَادَ نَشَاطُهُ فِي الْغِيبَةِ، وَمَا دَرَى الْجَاهِلُ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْغِيبَةِ غِيبَةٌ، بَلْ السَّاكِتُ عَلَيْهَا شَرِيكُ الْمُغْتَابِ كَمَا فِي خَبَرٍ: «الْمُسْتَمِعُ أَحَدُ الْمُغْتَابِينَ» ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ بِلِسَانِهِ وَلَوْ بِأَنْ يَخُوضَ فِي كَلَامٍ آخَرَ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ، وَيَلْزَمُهُ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ اُسْكُتْ وَقَلْبُهُ مُشْتَهٍ لِاسْتِمْرَارِهِ، وَلَا أَنْ يُشِيرَ بِنَحْوِ يَدِهِ وَلَوْ عَظُمَ الْإِنْكَارُ بِلِسَانِهِ لَأَفَادَ، وَمَرَّ فِي الْحَدِيثِ: «إنَّ مَنْ اُغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَاسْتَطَاعَ نَصْرَهُ فَنَصَرَهُ نَصَرَهُ اللَّهُ

نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 2  صفحه : 28
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست