ولهذا يحسن بالواعظ أن يتعاهد إيمانه، ويعز نفسه، ويصون علمه، وأن يترفع عن السفاسف، وأن يجانب مواطن الريب، ومواضع المهانة، وأن لا يسير إلا على ما يمليه الدين، وتقتضيه الحكمة والمروءة.
وجدير به أن يكون ذا نفس زكية، وساحة طاهرة نقية؛ هو بشر، وما كان لبشر أن يدعي العصمة, أو الصواب فيما يقول، ويفعل إلا الأنبياء فيما يبلغون به عن ربهم- جل وعلا-.
ولا يفهم من ذلك- أيضا- أن يدع الإنسان الوعظ إذا كان مقصرا في بعض الطاعات، أو ملما ببعض المخالفات.
بل عليه أن يأمر وينهى ولو كان كذلك؛ فترك أحد الواجبين ليس مسوغا لترك الآخر.
إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد قال الحسن المطرف بن عبد الله- رحمهما الله-:"عظ أصحابك، فقال المطرف: إني أخاف أن أقوال مالا أفعل.
قال الحسن: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟ يود الشيطان لو ظفر منا بهذا؛ فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه أحد عن منكر".1
وقال سعيد بن جبير- رحمه الله-: "لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء – ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر".2
قال الإمام مالك- رحمه الله- معلما على مقولة سعيد بن جبير: "وصدق سعيد؛
1 -2 تفسير القرطبي 1/367.