responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 62
أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَطْرَحُوا صَرْفَ الْهِمَّةِ إلَى تَحْسِينِ الْخَطِّ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُهُمْ عَنْ الْعِلْمِ وَيَقْطَعُهُمْ عَنْ التَّوَفُّرِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ تَجِدُ خُطُوطَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَغْلَبِ رَدِيئَةً لَا يَخُطُّ إلَّا مَنْ أَسْعَدَهُ الْقَضَاءُ. وَقَدْ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ رَدِيءَ الْخَطِّ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يُفْنِيهِ بِالْكِتَابَةِ يَشْغَلُهُ بِالْحِفْظِ وَالنَّظَرِ. وَلَيْسَتْ رَدَاءَةُ الْخَطِّ هِيَ السَّعَادَةَ، وَإِنَّمَا السَّعَادَةُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ صَارِفٌ عَنْ الْعِلْمِ. وَعَادَةُ ذِي الْخَطِّ الْحَسَنِ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِتَحْسِينِ خَطِّهِ عَنْ الْعِلْمِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ بِرَدَاءَةِ خَطِّهِ سَعِيدًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَدَاءَةُ الْخَطِّ سَعَادَةً.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ يَعْرِضُ لِلْخَطِّ أَسْبَابٌ تَمْنَعُ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ كَمَا يَعْرِضُ لِلْكَلَامِ أَسْبَابٌ تَمْنَعُ مِنْ فَهْمِهِ وَصِحَّتِهِ. وَالْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ قِرَاءَةِ الْخَطِّ وَفَهْمِ مَا تَضَمَّنَهُ قَدْ تَكُونُ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: إسْقَاطُهُ أَلْفَاظٍ مِنْ أَثْنَاءِ الْكَلَامِ يَصِيرُ الْبَاقِي بِهَا مَبْتُورًا لَا يُعْرَفُ اسْتِخْرَاجُهُ، وَلَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ. وَهَذَا يَكُونُ إمَّا مِنْ سَهْوِ الْكَاتِبِ أَوْ مِنْ فَسَادِ نَقْلِهِ.
وَهَذَا يَسْهُلُ اسْتِنْبَاطُهُ عَلَى مَنْ كَانَ مُرْتَاضًا بِذَلِكَ النَّوْعِ فَيَسْتَدِلُّ بِحَوَاشِي الْكَلَامِ وَمَا سَلِمَ مِنْهُ عَلَى مَا سَقَطَ أَوْ فَسَدَ، لَا سِيَّمَا إذَا قَلَّ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَسْتَدْعِي مَا يَلِيهَا وَمَعْرِفَةُ الْمَعْنَى تُوَضِّحُ عَنْ الْكَلَامِ الْمُتَرْجِمِ عَنْهُ.
فَأَمَّا مَنْ كَانَ قَلِيلَ الِارْتِيَاضِ بِذَلِكَ النَّوْعِ فَإِنَّهُ يَصْعُبُ عَلَيْهِ اسْتِنْبَاطُ الْمَعْنَى مِنْهُ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي فَهْمِ الْمَعَانِي إلَى الْفِكْرَةِ وَالرَّوِيَّةِ فِيمَا قَدْ اسْتَخْرَجَهُ بِالْكِتَابَةِ. فَإِذَا هُوَ لَمْ يَعْرِفْ تَمَامَ الْكَلَامِ الْمُتَرْجِمِ عَنْ الْمَعْنَى قَصُرَ فَهْمُهُ عَنْ إدْرَاكِهِ وَضَلَّ فِكْرُهُ عَنْ اسْتِنْبَاطِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: زِيَادَةُ أَلْفَاظٍ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ يَشْكُلُ بِهَا مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ غَيْرِ الزَّائِدِ مِنْ مَعْرِفَةِ السَّقِيمِ الزَّائِدِ فَيَصِيرُ الْكُلُّ مُشْكَلًا.
وَهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْكَاتِبُ تَعْمِيَةَ كَلَامِهِ فَيُدْخِلُ فِي أَثْنَائِهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ فَهْمِهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ رَمْزًا يُعْرَفُ بِالْمُوَاضَعَةِ. فَأَمَّا وُقُوعُهُ سَهْوًا فَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ فَهْمِهِ عَلَى الْمُرْتَاضِ وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إسْقَاطُ حُرُوفٍ مِنْ أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِخْرَاجِهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا تَارَةً مِنْ السَّهْوِ فَيَقِلُّ، وَتَارَةً مِنْ ضَعْفِ الْهِجَاءِ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 62
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست