نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 315
كالبرق الخاطف وقلما يدوم بل يعرض من الشواغل والأفكار والخواطر ما يشوشه وينغصه وهذه ضرورة دائمة في هذه الحياة الفانية فلا تزال هذه اللذة منغصة إلى الموت وإنما الحياة الطيبة بعد الموت وإنما العيش عيش الآخرة وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون وكل من انتهى إلى هذه الرتبة فإنه يحب لقاء الله تعالى فيحب الموت ولا يكره إلا من حيث ينتظر زيادة استكمال في المعرفة فإن المعرفة كالبذر وبحر المعرفة لا ساحل له فالإحاطة بكنه جلال الله محال فكلما كثرت المعرفة بالله وبصفاته وأفعاله وبأسرار مملكته وقويت كثر النعيم في الآخرة وعظم كما أنه كلما كثر البذر وحسن كثر الزرع وحسن ولا يمكن تحصيل هذا البذر إلا في الدنيا ولا يزرع إلا في صعيد القلب ولا حصاد إلا في الآخرة
ولهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله [1] لأن المعرفة إنما تكمل وتكثر وتتسع في العمر الطويل بمداومة الفكر والمواظبة على المجاهدة والانقطاع عن علائق الدنيا والتجرد للطلب ويستدعي ذلك زماناً لا محالة فمن أحب الموت أحبه لأنه رأى نفسه واقفاً في المعرفة بالغاً إلى منتهى ما يسر له ومن كره الموت كرهه لأنه كان يؤمل مزيد معرفة تحصل له بطول العمر ورأى نفسه مقصراً عما تحتمله قوته لو عمر فهذا سبب كراهة الموت وحبه عند أهل المعرفة
وأما سائر الخلق فنظرهم مقصور على شهوات الدنيا إن اتسعت أحبوا البقاء وإن ضاقت تمنوا الموت
وكل ذلك حرمان وخسران مصدره الجهل والغفلة
فالجهل والغفلة مغرس كل شقاوة
والعلم والمعرفة أساس كل سعادة فقد عرفت بما ذكرناه معنى المحبة ومعنى العشق فإنه المحبة المفرطة القوية ومعنى لذة المعرفة ومعنى الرؤية ومعنى لذة الرؤية ومعنى كونها ألذ من سائر اللذات عند ذوي العقول والكمال وإن لم تكن كذلك عند ذوي النقصان كما لم تكن الرياسة ألذ من المطعومات عند الصبيان
فإن قلت فهذه الرؤيا محلها القلب أو العين في الآخرة فاعلم أن الناس قد اختلفوا في ذلك وأرباب البصائر لا يلتفتون إلى هذا الخلاف ولا ينظرون فيه بل العاقل يأكل البقل ولا يسأل عن المبقلة ومن يشتهي رؤية معشوقه يشغله عشقه عن أن يلتفت إلى أن رؤيته تخلق في عينه أو جبهته بل يقصد الرؤيا ولذتها سواء كان ذلك بالعين أو غيرها فإن العين محل وظرف لا نظر إليه ولا حكم له والحق فيه أن القدرة الأزلية واسعة فلا يجوز أن نحكم عليها بالقصور عن أحد الأمرين هذا في حكم الجواز فأما الواقع في الآخرة من الجائزين فلا يدرك إلا بالسمع [2] والحق ما ظهر لأهل السنة والجماعة من شواهد الشرع أن ذلك يخلق في العين ليكون لفظ الرؤية والنظر وسائر الألفاظ الواردة في الشرع مجري على ظاهره إذ لا يجوز إزالة الظواهر إلا لضرورة والله تعالى أعلم
بيان الأسباب المقوية لحب الله تعالى
اعلم أن أسعد الخلق حالاً في الآخرة أقواهم حباً لله تعالى فإن الآخرة معناها القدوم على الله تعالى ودرك سعادة لقائه وما أعظم نعيم المحب إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه وتمكن من دوام مشاهدته أبد الآباد من [1] حديث أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله أخرجه إبراهيم الحربي في كتاب ذكر الموت من رواية ابن لهيعة عن ابن الهاد عن المطلب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله ووالد المطلب عبد الله بن حوطب مختلف في صحبته ولأحمد من حديث جابر إن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة والترمذى من حديث أبى بكرة أن رجلاً قال يا رسول الله أي الناس خير قال من طال عمره وحسن عمله قال هذا حديث حسن صحيح وقد تقدم [2] حديث رؤية الله في الآخرة حقيقة متفق عليه من حديث أبى هريرة أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر الحديث
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 315