نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 168
وهو ترتعد فرائصه ويحتال في الهرب منها قام معه وغلب عليه الخوف ووافقه في الهرب فخوف الأب عن بصيرة ومعرفة بصفة الحية وسمها وخاصيتها وسطوة السبع وبطشه وقلة مبالاته
وأما خوف الابن فإيمانه بمجرد التقليد لأنه يحسن الظن بأبيه ويعلم أنه لا يخاف إلا من سبب مخوف في نفسه فيعلم أن السبع مخوف ولا يعرف وجهه وإذا عرفت هذا المثال فاعلم أن الخوف من الله تعالى على مقامين أحدهما الخوف من عذابه والثاني الخوف منه فأما الخوف منه فهو خوف العلماء وأرباب القلوب العارفين من صفاته ما يقتضي الهيبة والخوف والحذر المطلعين على سر قوله تعالى ويحذركم الله نفسه وقوله عز وجل اتقوا الله حق تقاته وأما الأول فهو خوف عموم الخلق وهو حاصل بأصل الإيمان بالجنة والنار وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية وضعفه بسبب الغفلة وسبب ضعف الإيمان وإنما تزول الغفلة بالتذكير والوعظ وملازمة الفكر في أهوال يوم القيامة وأصناف العذاب في الآخرة وتزول أيضاً بالنظر إلى الخائفين ومجالستهم ومشاهدة أحوالهم فإن فاتت المشاهدة فالسماع لا يخلو عن تأثير وأما الثاني وهو الأعلى فأن يكون الله هو المخوف أعني أن يخاف العبد الحجاب عنه ويرجو القرب منه
قال ذو النون رحمه الله تعالى خوف النار عند خوف الفراق كقطرة قطرت في بحر لجي وهذه خشية العلماء حيث قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العلماء ولعموم المؤمنين أيضاً حظ من هذه الخشية ولكن هو بمجرد التقليد أيضا هي خوف الصبي من الحية تقليداً لأبيه وذلك لا يستند إلى بصيرة فلا جرم يضعف ويزول على قرب حتى إن الصبي ربما يرى المعزم يقدم على أخذ الحية فينظر إليه ويغتر به فيتجرأ على أخذها تقليداً له كما احترز من أخذها تقليداً لأبيه والعقائد التقليدية ضعيفة في الغالب إلا إذا قويت بمشاهدة أسبابها المؤكدة لها على الدوام وبالمواظبة على مقتضاها في تكثير الطاعات واجتناب المعاصي مدة طويلة على الاستمرار فإذن من ارتقى إلى ذروة المعرفة وعرف الله تعالى خافه بالضرورة فلا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف كما أن من عرف السبع ورأى نفسه واقعاً في مخالبه لا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف إلى قلبه بل يخافه بالضرورة شاء أم أبى ولذلك أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام خفني كما تخاف السبع الضاري
ولا حيلة في جلب الخوف من السبع الضاري إلا معرفة السبع ومعرفة الوقوع في مخالبه فلا يحتاج إلى حيلة سواء فمن عرف الله تعالى عرف أنه يفعل ما يشاء ولا يبالي ويحكم ما يريد ولا يخاف قرب الملائكة من غير وسيلة سابقة وأبعد إبليس من غير جريمة سالفة بل صفته ما ترجمه قوله تعالى هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي
وإن خطر ببالك أنه لا يعاقب إلا على معصية ولا يثيب إلا على طاعة فتأمل أنه لم يمد المطيع بأسباب الطاعة حتى يطيع شاء أم أبى ولم يمد العاصي بدواعي المعصية حتى يعصى شاء أم أبى فإنه مهما خلق الغفلة والشهوة والقدرة على قضاء الشهوة كان الفعل واقعاً بها بالضرورة فإن كان أبعده لأنه عصاه فلم حمله على المعصية هل ذلك لمعصية سابقة حتى يتسلسل إلى غير نهاية أو يقف لا محالة على أول لا علة له من جهة العبد بل قضي عليه في الأزل وعن هذا المعنى عبر صلى الله عليه وسلم إذ قال احتج آدم موسى عليهما الصلاة والسلام عند ربهما فحج آدم موسى عليه السلام قال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض
فقال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجياً فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاماً
قال آدم فهل وجدت فيها {وعصى آدم ربه فغوى} قال نعم
قال أفتلومني على
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 168