نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 167
الأنكال والسلاسل والأغلال وضروب الخزي والنكال فنسأل الله تعالى أن يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين ولا مطمع في إجابة هذا الدعاء إلا باكتساب حب الله تعالى ولا سبيل إليه إلا بإخراج حب غيره من القلب وقطع العلائق عن كل ما سوى الله تعالى من جاه ومال ووطن فالأولى أن تدعو بما دعا به نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال اللهم ارزقني حبك وحب من أحبك وحب ما يقربني إلى حبك واجعل حبك أحب إلي من الماء البارد (1)
والغرض أن غلبة الرجاء عند الموت أصلح لأنه أجلب للمحبة وغلبة الخوف قبل الموت أصلح لأنه أحرق لنار الشهوات وأقمع لمحبة الدنيا عن القلب وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه // حديث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه أخرجه مسلم من حديث جابر وقد تقدم
وقال تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ولما حضرت سليمان التيمي الوفاة قال لابنه يا بني حدثني بالرخص واذكر لي الرجاء حتى ألقى الله على حسن الظن به وكذلك لما حضرت الثوري الوفاة واشتد جزعه جمع العلماء حوله يرجونه
وقال أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه لابنه عند الموت اذكر لي الأخبار التي فيها الرجاء وحسن الظن والمقصود من ذلك كله أن يحبب الله تعالى إلى نفسه ولذلك أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام أن حببني إلى عبادي فقال بماذا قال بأن تذكر لهم آلائي ونعمائي فإذن غاية السعادة أن يموت محباً لله تعالى وإنما تحصل المحبة بالمعرفة بإخراج حب الدنيا من القلب حتى تصير الدنيا كلها كالسجن المانع من المحبوب ولذلك رأى بعض الصالحين أبا سليمان الداراني في المنام وهو يطير فسأله فقال الآن أفلت فلما أصبح سأل عن حاله فقيل له إنه مات البارحة بيان الدواء الذي به يستجلب حال الخوف
اعلم أن ما ذكرناه في حال الصبر وشرحناه في كتاب الصبر والشكر هو كاف في هذا الغرض لأن الصبر لا يمكن إلا بعد حصول الخوف والرجاء لأن أول مقامات الدين اليقين الذي هو عبارة عن قوة الإيمان بالله تعالى باليوم والآخر والجنة والنار وهذا اليقين بالضرورة يهيج الخوف من النار والرجاء للجنة والرجاء والخوف يقويان على الصبر فإن الجنة قد حفت بالمكاره فلا يصبر على تحملها إلا بقوة الرجاء والنار قد حفت بالشهوات فلا يصبر على قمعها إلا بقوة الخوف ولذلك قال علي كرم الله وجهه
من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ثم يؤدي مقام الصبر المستفاد من الخوف والرجاء إلى مقام المجاهدة والتجرد لذكر الله تعالى والفكر فيه على الدوام ويؤدي دوام الذكر إلى الأنس ودوام الفكر إلى كمال المعرفة ويؤدي كمال المعرفة والأنس إلى المحبة ويتبعها مقام الرضا والتوكل وسائر المقامات فهذا هو الترتيب في سلوك منازل الدين وليس بعد أصل اليقين مقام سوى الخوف والرجاء ولا بعدهما مقام سوى الصبر وبه المجاهدة والتجرد لله ظاهراً وباطناً ولا مقام بعد المجاهدة لمن فتح له الطريق إلا الهداية والمعرفة ولا مقام بعد المعرفة إلا المحبة والأنس ومن ضرورة المحبة الرضا بفعل المحبوب والثقة بعنايته وهو التوكل فإذن فيما ذكرناه في علاج الصبر كفاية ولكنا نفرد الخوف بكلام جملي فنقول الخوف يحصل بطريقتين مختلفين أحدهما أعلى من الآخر ومثاله أن الصبي إذا كان في بيت فدخل عليه سبع أو حية ربما كان لا يخاف وربما مد اليد إلى الحية ليأخذها ويلعب بها ولكن إذا كان معه أبوه وهو عاقل خاف من الحية وهرب منها فإذا نظر الصبي إلى أبيه
(1) حديث اللهم ارزقني حبك وحب من أحبك الحديث أخرجه الترمذي من حديث معاذ وتقدم في الأذكار والدعوات
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 167