نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 365
بكبر النفس والإدلال بالعلم والورع فكم من عابد جاهل وعالم مغرور إذا رأى فاسقاً جلس بجنبه أزعجه من عنده وتنزه عند بكبر باطن في نفسه وهو ظان أنه قد غضب لله كما وقع لعابد بني إسرائيل مع خليعهم وذلك لأن الكبر على المطيع ظاهر كونه شراً والحذر منه ممكن والكبر على الفاسق والمبتدع يشبه الغضب لله وهو خير فإن الغضبان أيضاً يتكبر على من غضب عليه والمتكبر يغضب وأحدهما يثمر الآخر ويوجبه وهما ممتزجان ملتبسان لا يميز بينهما إلا الموفقون
والذي يخلصك من هذا أن يكون الحاضر على قلبك عند مشاهدة المبتدع أو الفاسق أو عند أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر ثلاثة أمور
أحدهما التفاتك إلى ما سبق من ذنوبك وخطاياك ليصغر عند ذلك قدرك في عينك
والثاني أن تكون ملاحظتك لما أنت متميز به من العلم واعتقاد الحق والعمل الصالح من حيث إنها نعمة من الله تعالى عليك فله المنة فيه لا لك فترى ذلك منه حتى لا تعجب بنفسك وإذا لم تعجب لم تتكبر
والثالث ملاحظة إبهام عاقبتك وعاقبتك أنه ربما يختم لك بالسوء ويختم له بالحسنى حتى يشغلك الخوف عن التكبر عليه
فإن قلت فكيف أغضب مع هذه الأحوال فأقول تغضب لمولاك وسيدك إذ أمرك أن تغضب له لا لنفسك وأنت في غضبك لا ترى نفسك ناجياً وصاحبك هالكاً بل يكون خوفك على نفسك بما علم الله من خفايا ذنوبك أكثر من خوفك عليه مع الجهل بالخاتمة وأعرفك ذلك بمثال لتعلم أنه ليس من ضرورة الغضب لله أن تتكبر على المغضوب عليه وترى قدرك فوق قدره فأقول إذا كان للملك غلام وولد هو قرة عينه وقد وكل الغلام بالولد ليراقبه وأمره أن يضربه مهما أساء أدبه واشتغل بما لا يليق به ويغضب عليه
فإن كان الغلام محباً مطيعاً لمولاه فلا يجد بداً أن يغضب مهما رأى ولده قد أساء الأدب وإنما يغضب عليه لمولاه ولأنه أمره به ولأنه يريد التقرب بامتثال أمره إليه ولأنه جرى من ولده ما يكره مولاه فيضرب ولده ويغضب عليه من غير تكبر عليه بل هو متواضع له يرى قدره عند مولاه فوق قدر نفسه لأن الولد أعز لا محالة من الغلام
فإذن ليس من ضرورة الغضب التكبر وعدم التواضع فكذلك يمكنك أن تنظر إلى المبتدع والفاسق وتظن أنه ربما كان قدرهما في الآخرة عند الله أعظم لما سبق لهما من الحسنى في الأزل ولما سبق لك من سوء القضاء في الأزل وأنت غافل عنه ومع ذلك فتغضب بحكم الأمر محبة لمولاك إذ جرى ما يكرهه مع التواضع لمن يجوز أن يكون عنده أقرب منك في الآخرة
فهكذا يكون بعض العلماء الأكياس فينضم إليه الخوف والتواضع
وأما المغرور فإنه يتكبر ويرجو لنفسه أكثر مما يرجوه لغيره مع جهله بالعاقبة وذلك غاية الغرور
فهذا سبيل التواضع لمن عصى الله أو اعتقد البدعة مع الغضب عليه ومجانبته بحكم الأمر
السبب السابع التكبر بالورع والعبادة وذلك أيضاً فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْعِبَادِ وَسَبِيلُهُ أَنْ يُلْزِمَ قلبه التواضع لسائر العباد وهو أن يعلم أن من يتقدم عليه بالعلم لا ينبغي أن يتكبر عليه كيفما كان لما عرفه من فضيلة العلم وقد قال تعالى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْ أصحابي // حديث فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رجل من أصحابي أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة وتقدم في العلم
إلى غير ذلك مما ورد في فضل العلم
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 365