نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 364
وفتش عن جميع أعماله قليلها وكثيرها ثم أمر به إلى سجن ضيق وعذاب دائم لا يروح عنه ساعة وقد علم أن سيده قد فعل بطوائف من عبيده مثل ذلك وعفا عن بعضهم وهو لا يدري من أي الفريقين يكون فإذا تفكر في ذلك انكسرت نفسه وذل وبطل عزه وكبره وظهر حزنه وخوفه ولم يتكبر على أحد من الخلق بل تواضع رجاء أن يكون هو من شفعائه عند نزول العذاب فكذلك العالم إذا تفكر فيما ضيعه من أوامر ربه بجنايات على جوارحه وبذنوب في باطنه من الرياء والحقد والحسد والعجب والنفاق وغيره وعلم بما هو بصدده من الخطر العظيم فارقه كبره لا محالة
الأمر الثاني أن العالم يَعْرِفَ أَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ إِذَا تَكَبَّرَ صَارَ ممقوتاً عند الله بغيضاً وقد أحب الله منه أن يتواضع وقال له إن لك عندي قدراً ما لم تر لنفسك قدراً فإن رأيت لنفسك قدراً فلا قدر لك عندي فلا بد وأن يكلف نفسه ما يحبه مولاه منه
وهذا يزيل التكبر عن قلبه وإن كان يستيقن أنه لا ذنب له مثلاً أو تصور ذلك
وبهذا زال التكبر عن الأنبياء عليهم السلام إذ علموا أن من نازع الله تعالى في رداء الكبرياء قصمه وقد أمرهم الله بأن يصغروا أنفسهم حتى يعظم عند الله محلهم فهذا أيضاً مما يبعثه على التواضع لا محالة
فإن قلت فكيف يتواضع للفاسق المتظاهر بالفسق وللمبتدع وكيف يرى نفسه دونهم وهو عالم عابد وكيف يجهل فضل العلم والعبادة عند الله تعالى وكيف يغنيه أن يخطر بباله خطر العلم وهو يعلم أن خطر الفاسق والمبتدع أكثر فاعلم أن ذلك إنما يمكن بالتفكر في خطر الخاتمة بل لو نظر إلى كافر لم يمكنه أن يتكبر عليه إذ يتصور أن يسلم الكافر فيختم له بالإيمان ويضل هذا العالم فيختم له بالكفر والكبير من هو كبير عند الله في الآخرة والكلب والخنزير أعلى رتبة ممن هو عند الله من أهل النار وهو لا يدري ذلك فكم من مسلم نظر إلى عمر رضي الله عنه قبل إسلامه فاستحقره وازدراه لكفره وقد رزقه الله الإسلام وفاق جميع المسلمين إلا أبا بكر وحده فالعواقب مطوية عن العباد ولا ينظر العاقل إلا إلى العاقبة وجميع الفضائل في الدنيا تراد للعاقبة
فإذن من حق العبد أن لا يتكبر على أحد
بل إن نظر إلى جاهل قال هذا عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم فهو أعذر مني
وإن نظر إلى عالم قال هذا قد علم ما لم أعلم فكيف أكون مثله وإن نظر إلى كبير هو أكبر منه سناً قال هذا قد أطاع الله قبلي فكيف أكون مثله وإن نظر إلى صغير قال إني عصيت الله قبله فكيف أكون مثله وإن نظر إلى مبتدع أو كافر قال ما يدريني لعله يختم له بالإسلام ويختم لي بما هو عليه الآن فليس دوام الهداية إلي كما لم يكن ابتداؤها إلي فبملاحظة الخاتمة يقدر على أن ينفي الكبر عن نفسه وكل ذلك بأن يعلم أن الكمال في سعادة الآخرة والقرب من الله لا فيما يظهر في الدنيا مما لا بقاء له ولعمري هذا الخطر مشترك بين المتكبر والمتكبر عليه ولكن حق على كل واحد أن يكون مصروف الهمة إلى نفسه مشغول القلب بخوفه لعاقبته لا أن يشتغل بخوف غيره فإن الشفيق بسوء الظن مولع وشفقه كل إنسان على نفسه
فإذا حبس جماعة في جناية ووعدوا بأن تضرب رقابهم لم يتفرغوا لتكبر بعضهم على بعض وإن عمهم الخطر إذ شغل كل واحد نفسه عن الالتفات إلى هم غيره حتى كأن كل واحد هو وحده في مصيبته وخطره
فإن قلت فكيف أبغض المبتدع في الله وأبغض الفاسق وقد أمرت ببغضهما ثم مع ذلك أتواضع لهما والجمع بينهما متناقض فاعلم أن هذا أمر مشتبه يلتبس على أكثر الخلق إذ يمتزج غضبك لله في إنكار البدعة والفسق
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 364