نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 358
في ذلك فما تلذذ المتلذذون بمثل حب الله وطلب مرضاته
اللهم اجعلنا من محبي المحبين لك يا رب العالمين فإنه لا يصلح لحبك إلا من ارتضيته
وصلى الله عليه وسلم
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ له
اعلم أن الكبر من المهلكات ولا يخلو أحد من الخلق عن شيء منه وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي بل بالمعالجة واستعمال الأدوية القامعة له
وفي معالجته مقامان
أحدهما استئصال أصله من سنخه وقلع شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ
الثَّانِي دَفْعُ العارض منه بالأسباب الخاصة التي بها يتكبر الإنسان على غيره
المقام الأول في استئصال أصله وعلاجه عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا
أَمَّا الْعِلْمِيُّ فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أنه أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهانة وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ أَمَّا مَعْرِفَتُهُ رَبَّهُ وعظمته ومجده فالقول فيه يطول وهو منتهى علم المكاشفة وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ أَيْضًا يَطُولُ وَلَكُنَّا نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْفَعُ فِي إِثَارَةِ التواضع والمذلة وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ والآخرين لمن فتحت بصيرته وقد قَالَ تَعَالَى قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إذا شاء أنشره فَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَوَّلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَإِلَى آخِرِ أَمْرِهِ وَإِلَى وَسَطِهِ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ لِيَفْهَمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَمَّا أَوَّلُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا وقد كان في حيز العدم دهوراً بل لم يكن لعدمه أول وأي شيء أخس وأقل من المحو والعدم وقد كان كذلك في القدم ثم خلقه الله من أرذل الأشياء ثم من أقذرها إذ قد خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ جَعَلَهُ عظماً ثم كسا العظم لحماً فقد كان هذا بداية وجوده حيث كان شيئاً مذكوراً فَمَا صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَخَسِّ الْأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ إِذْ لَمْ يُخْلَقْ فِي ابْتِدَائِهِ كَامِلًا بَلْ خَلَقَهُ جَمَادًا مَيِّتًا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُحِسُّ وَلَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَنْطِقُ وَلَا يَبْطِشُ وَلَا يُدْرِكُ وَلَا يَعْلَمُ فَبَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ حَيَاتِهِ وَبِضَعْفِهِ قَبْلَ قُوَّتِهِ وَبِجَهْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ وَبِعَمَاهُ قَبْلَ بَصَرِهِ وبصممه قبل سمعه وببكمه قبل نطقه وبضلالته قَبْلَ هُدَاهُ وَبِفَقْرِهِ قَبْلَ غِنَاهُ وَبِعَجْزِهِ قَبْلَ قدرته
فهذا معنى قوله مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فقدره ومعنى قوله هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ من نطفة أمشاج نبتليه كذلك خلقه أولاً ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مدة حياته إلى الموت وكذلك قال مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إنا هديناه السبيل وإما شاكرا أو كفورا ومعناه أنه أحياه بعد أن كان جماداً ميتاً تراباً أولاً ونطفة ثانياً وأسمعه بعد ما كان أصم وبصره بعد ما كان فاقداً للبصر وقواه بعد الضعف وعلمه بعد الجهل وخلق له الأعضاء بما فيها من العجائب والآيات بعد الفقد لها وأغناه بعد الفقر وأشبعه بعد الجوع وكساه بعد العري وهداه بعد الضلال
فانظر كيف دبره وصوره وإلى السبيل كيف يسره وإلى طغيان الإنسان ما أكفره وإلى جهل الإنسان كيف أظهره فقال أو لم يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هو خصيم مبين {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إذا أنتم بشر تنتشرون} فانظر إلى نعمة الله كيف نقله من تلك الذلة والقلة والخسة والقذارة إلى هذه الرفعة والكرامة فصار موجوداً بعد العدم وحياً بعد الموت وناطقاً بعد البكم وبصيراً بعد العمى وقوياً بعد الضعف وعالما بعد الجهل ومهديا بعد
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 358