نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 289
لم ينزل ما يسمع إلا على حاله من حيث لا يتعلق بوصف الله تعالى
ومثال الخطأ فيه هذا البيت بعينه فلو سمعه في نفسه وهو يخاطب به ربه عز وجل فيضيف التلون إلى الله تعالى فيكفر وهذا قد يقع عن جهل محض مطلق غير ممزوج بتحقيق وقد يكون عن جهل ساقه إليه نوع من التحقيق وهو أن يرى تقلب أحوال قلبه بل تقلب أحوال سائر العالم من الله وهو حق فإنه تارة يبسط قلبه وتارة يقبضه وتارة ينوره وتارة يظلمه وتارة يقسيه وتارة يلينه وتارة يثبته على طاعته ويقويه عليها وتارة يسلط الشيطان عليه ليصرفه عن سنن الحق وهذا كله من الله تعالى
ومن يصدر منه أحوال مختلفة في أوقات متقاربة فقد يقال له في العادة إنه ذو بداوات وإنه متلون
ولعل الشاعر لم يرد به إلا نسبة محبوبة إلى التلون في قبوله ورده وتقريبه وإبعاده وهذا هو المعنى
فسماع هذا كذلك في حق الله تعالى كفر محض بل ينبغي أن يعلم أنه سبحانه وتعالى يلون ولا يتلون ويغير ولا يتغير بخلاف عباده
وذلك العلم يحصل للمريد باعتقاد تقليدي إيماني
ويحصل للعارف البصير بيقين كشفي حقيقي
وذلك من أعاجيب أوصاف الربوبية وهو المغير من غير تغير ولا يتصور ذلك إلا في حق الله تعالى بل كل مغير سواه فلا يغير ما لم يتغير
ومن أرباب الوجد من يغلب عليه حال مثل السكر المدهش فيطلق لسانه بالعتاب مع الله تعالى ويستنكر اقتهاره للقلوب وقسمته للأحوال الشريفة على تفاوت
فإنه المستصفى لقلوب الصديقين والمبعد لقلوب الجاحدين والمغرورين فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولم يقطع التوفيق عن الكفار لجناية متقدمة ولا أمد الأنبياء عليهم السلام بتوفيقه ونور هدايته لوسيلة سابقة ولكنه قال ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين وقال عز وجل ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقال تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون فإن خطر ببالك أنه لم اختلفت السابقة وهم في ربقه العبودية مشتركون نوديت من سرادقات الجلال لا تجاوز حد الأدب فإنه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ولعمري تأدب اللسان والظاهر مما يقدر عليه الأكثرون
فأما تأدب السر عن إضمار الاستبعاد بهذا الاختلاف الظاهر في التقريب والإبعاد والإشقاء والإسعاد مع بقاء السعادة والشقاوة أبد الآباد فلا يقوى عليه إلا العلماء الراسخون في العلم
ولهذا قال الخضر عليه السلام لما سئل عن السماع في المنام إنه الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء لأنه محرك لأسرار القلوب ومكامنها ومشوش لها تشويش السكر المدهش الذي يكاد يحل عقدة الأدب عن السر إلا ممن عصمه الله تعالى بنور هدايته ولطيف عصمته
ولذلك قال بعضهم ليتنا نجونا من هذا السماع رأساً برأس
ففي هذا الفن من السماع خطر يزيد على خطر السماع المحرك للشهوة فإن غاية ذلك معصية وغاية الخطأ ههنا كفر
واعلم أن الفهم قد يختلف بأحوال المستمع فيغلب الوجد على مستمعين لبيت واحد وأحدهما مصيب في الفهم والآخر مخطىءأو كلاهما مصيبان وقد فهما معنيين مختلفين متضادين ولكنه بالإضافة إلى اختلاف أحوالهما لا يتناقض
كما حكى عن عتبة الغلام أنه سمع رجلاً يقول
سبحان جبار السما ... إن المحب لفي عنا
فقال صدقت
وسمعه رجل آخر فقال كذبت
فقال بعض ذوي البصائر أصابا جميعاً وهو الحق فالتصديق كلام محب غير ممكن من المراد بل مصدود متعب بالصد والهجر
والتكذيب كلام مستأنس بالحب مستلذ لما يقاسيه بسبب فرط حبه غير متأثر به أو كلام محب غير مصدود عن مراده في الحال ولا مستشعر بخطر
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 289