نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 288
ولقاؤه والوصول إليه بطريق المشاهدة بالسر وكشف الغطاء وله في مقصده طريق هو سالكه ومعاملات هو مثابر عليها وحالات تستقبله في معاملاته
فإذا سمع ذكر عتاب أو خطاب أو قبول أو رد أو وصل أو هجر أو قرب أو بعد أو تلهف على فائت أو تعطش إلى منتظر أو شوق إلى وارد أو طمع أو يأس أو وحشة أو استئناس أو وفاء بالوعد أو نقض للعهد أو خوف فراق أو فرح بوصال أو ذكر ملاحظة الحبيب ومدافعة الرقيب أو همول العبرات أو ترادف الحسرات أو طول الفراق أو عدة الوصال أو غير ذلك مما يشتمل على وصفه الأشعار فلا بد أن يوافق بعضها حال المريد في طلبه فيجري ذلك مجرى القدح الذي يورى زناد قلبه فتشتعل به نيرانه ويقوى به انبعاث الشوق وهيجانه ويهجم عليه بسببه أحوال مخالفة لعادته ويكون له مجال رحب في تنزيل الألفاظ على أحواله
وليس على المستمع مراعاة مراد الشاعر من كلامه بل لكل كلام وجوه ولكل ذي فهم في اقتباس المعنى منه حظوظ
ولنضرب لهذه التنزيلات والفهوم أمثلة كي لا يظن الجاهل أن المستمع لأبيات فيها ذكر الفم والخد والصدغ إنما يفهم منها ظواهرها
ولا حاجة بنا إلى ذكر كيفية فهم المعاني من الأبيات ففي حكايات أهل السماع ما يكشف عن ذلك
فقد حكى أن بعضهم سمع قائلاً يقول
قال الرسول غدا تزور ... فقلت تعقل ما تقول
فاستفزه اللحن والقول وتواجد وجعل يكرر ذلك ويجعل مكان التاء نوناً فيقول قال الرسول غدا نزور حتى غشى عليه من شدة الفرح واللذة والسرور
فلما أفاق سئل عن وجده مم كان فقال ذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة يزورون ربهم في كل يوم جمعة مرة (1)
وحكى الرقى عن ابن الدراج أنه قال كنت أنا وابن الفوطى مارين على دجلة بين البصرة والأبلة فإذا بقصر حسن له منظرة وعليه رجل بين يديه جارية تغني وتقول
كل يوم تتلون ... غير هذا بك أحسن
فإذا شاب حسن تحت المنظرة وبيده ركوة وعليه مرقعة يستمع فقال يا جارية بالله وبحياة مولاك إلا أعدت علي هذا البيت
فأعادت فكان الشاب يقول هذا والله تلوني مع الحق في حالي فشهق شهقة ومات
قال فقلنا قد استقبلنا فرض
فوقفنا فقال صاحب القصر للجارية أنت حرة لوجه الله تعالى قال ثمإن أهل البصرة خرجوا وهذا القصر للسبيل قال ثم رمى بثيابه واتزر بإزار وارتدى بآخر ومر على وجهه والناس ينظرون إليه حتى غاب عن أعينهم وهم يبكون
فلم يسمع له بعد خبر
والمقصود أن هذا الشخص كان مستغرق الوقت بحاله مع الله تعالى ومعرفة عجزه عن الثبوت على حسن الأدب في المعاملة وتأسفه على تقلب قلبه وميله عن سنن الحق فلما قرع سمعه ما يوافق حاله سمعه من الله تعالى كأنه يخاطبه ويقول له
كل يوم تتلون ... غير هذا بك أحسن
ومن كان سماعه من الله تعالى وعلى الله وفيه
فينبغي أن يكون قد أحكم قانون العلم في معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته
وإلا خطر له من السماع في حق الله تعالى ما يستحيل عليه ويكفر به
ففي سماع المريد المبتدئ خطر إلا إذا
(1) حديث إن أهل الجنة يزورون ربهم في كل جمعة أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وفيه عبد الحميد ابن حبيب بن أبي العشرين مختلف فيه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال وقد روى سويد بن عمرو عن الاوزاعي شيئا من هذا
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 288