responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 389
تَكَاثَرَتِ الظِّبَاءُ عَلَى خِرَاشٍ ... فَمَا يَدْرِي خِرَاشٌ مَا يَصِيدُ
فَوَظِيفَتُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ: أَنْ يَفْنَى عَنْ وَارِدِهِ. وَيُعَلِّقَ قَلْبَهُ بِالْمُتَكَلِّمِ. وَكَأَنَّهُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ مِنْهُ. وَيَجْعَلَ قَلْبَهُ نَهْرًا لِجَرَيَانِ مَعَانِيهِ. وَيُفْرِغَهُ مِنْ سِوَى فَهْمِ الْمُرَادِ. وَيَنْصَبَّ إِلَيْهِ انْصِبَابًا يَتَلَقَّى فِيهِ مَعَانِيَهُ، كَتَلَقِّي الْمُحِبِّ لِلْأَحْبَابِ الْقَادِمِينَ عَلَيْهِ. لَا يَشْغَلُهُ حَبِيبٌ مِنْهُمْ عَنْ حَبِيبٍ. بَلْ يُعْطَى كُلُّ قَادِمٍ حَقَّهُ. وَكَتَلَقِّي الضُّيُوفِ وَالزُّوَّارِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ سَعَةِ الْقَلْبِ، وَقُوَّةِ الِاسْتِعْدَادِ، وَكَمَالِ الْحُضُورِ.
فَإِذَا سَمِعَ خِطَابَ التَّرْغِيبِ وَالتَّشْوِيقِ، وَاللُّطْفِ وَالْإِحْسَانِ: لَا يَفْنَى بِهِ عَمَّا يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ خِطَابِ التَّخْوِيفِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْعَدْلِ. بَلْ يَسْمَعُ الْخِطَابَ الثَّانِيَ مُسْتَصْحِبًا لِحُكْمِ الْخِطَابِ الْأَوَّلِ. وَيَمْزُجُ هَذَا بِهَذَا. وَيَسِيرُ بِهِمَا وَمَعَهُمَا جَمِيعًا، عَاكِفًا بِقَلْبِهِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَصِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ.
وَهَذَا سَيْرٌ فِي اللَّهِ. وَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ أَعْلَى وَأَرْفَعُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمَسِيرِ إِلَيْهِ. وَلَا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ سَيْرُهُ إِلَيْهِ. بَلْ يُدْرِجُ سَيْرَهُ. فَإِنَّ سَيْرَ الْقَلْبِ فِي مَعَانِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.
وَمَتَّى بَقِيَتْ لِلْقَلْبِ فِي ذَلِكَ مَلَكَةٌ، وَاشْتَدَّ تَعَلُّقُهُ بِهِ: لَمْ تَحْجُبْهُ مَعَانِي الْمَسْمُوعِ، وَصِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَلَكِنْ فِي الِابْتِدَاءِ يَعْسُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَفِي التَّوَسُّطِ يَهُونُ عَلَيْهِ، وَلَا انْتِهَاءَ هَاهُنَا أَلْبَتَّةَ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ تُشِيرُ إِلَى مَعَانِي سَمَاعِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ، وَالْأَحْوَالِ الْمُسْتَقِيمَةِ.
وَأَمَّا السَّمَاعُ الشَّيْطَانِيُّ: فَبِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَفْسَدَةٍ. وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَسُقْنَاهَا مُفَصَّلَةً.
وَسَنُفْرِدُ لَهَا مُصَنَّفًا مُسْتَقِلًّا. إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ مِنَ الْأُنْسِ بِالشَّوَاهِدِ: التَّغَذِّيَ بِالسَّمَاعِ.
وَقَوْلِهِ: وَالْوُقُوفُ عَلَى الْإِشَارَاتِ.
الْإِشَارَاتُ هِيَ الْمَعَانِي الَّتِي تُشِيرُ إِلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ بُعْدٍ، وَمِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ مِنْ مَسْمُوعٍ. وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ مَرْئِيٍّ. وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ مَعْقُولٍ. وَقَدْ تَكُونُ مِنَ الْحَوَاسِّ كُلِّهَا.
فَالْإِشَارَاتُ: مِنْ جِنْسِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَعْلَامِ. وَسَبَبُهَا: صَفَاءٌ يَحْصُلُ بِالْجَمْعِيَّةِ. فَيَلْطُفُ بِهِ الْحِسُّ وَالذِّهْنُ. فَيَسْتَيْقِظُ لِإِدْرَاكِ أُمُورٍ لَطِيفَةٍ. لَا يَكْشِفُ حِسُّ غَيْرِهِ وَفَهْمِهِ عَنْ إِدْرَاكِهَا.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 389
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست