responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 388
فَصْلٌ وَالثَّانِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهُمَا: مَنِ اتَّصَفَ قَلْبُهُ بِصِفَاتِ نَفْسِهِ. بِحَيْثُ صَارَ قَلْبُهُ نَفْسًا مَحْضَةً. فَغَلَبَتْ عَلَيْهِ آفَاتُ الشَّهَوَاتِ، وَدَعَوَاتُ الْهَوَى. فَهَذَا حَظُّهُ مِنَ السَّمَاعِ: كَحَظِّ الْبَهَائِمِ. لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً. وَالْفَرْقُ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ: غَيْرُ طَائِلٍ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَنِ اتَّصَفَتْ نَفْسُهُ بِصِفَاتِ قَلْبِهِ. فَصَارَتْ نَفْسُهُ قَلْبًا مَحْضًا. فَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْمَحَبَّةُ، وَالْعَقْلُ وَاللُّبُّ. وَعَشِقَ صِفَاتِ الْكَمَالِ. فَاسْتَنَارَتْ نَفْسُهُ بِنُورِ الْقَلْبِ. وَاطْمَأَنَّتْ إِلَى رَبِّهَا. وَقَرَّتْ عَيْنُهَا بِعُبُودِيَّتِهِ. وَصَارَ نَعِيمُهَا فِي حُبِّهِ وَقُرْبِهِ. فَهَذَا حَظُّهُ مِنَ السَّمَاعِ مِثْلُ - أَوْ قَرِيبٌ مِنْ - حَظِّ الْمَلَائِكَةِ. وَسَمَاعُهُ غِذَاءُ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، وَقُرَّةُ عَيْنِهِ وَنَعِيمُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَرِيَاضُهُ الَّتِي يَسْرَحُ فِيهَا. وَحَيَاتُهُ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَصَدَ أَرْبَابُ سَمَاعِ الْقَصَائِدِ وَالْأَبْيَاتِ. وَلَكِنْ أَخْطَأُوا الطَّرِيقَ وَأَخَذُوا عَنِ الدَّرْبِ شِمَالًا وَوَرَاءً.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ لَهُ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ. وَقَلْبُهُ بَاقٍ عَلَى فِطْرَتِهِ الْأُولَى. وَلَكِنْ مَا تَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ تَصَرُّفًا أَحَالَهَا إِلَيْهِ. وَأَزَالَ بِهِ رُسُومَهُ. وَجَلَا عَنْهُ ظُلْمَتَهَا. وَلَا قَوِيَتِ النَّفْسُ عَلَى الْقَلْبِ بِإِحَالَتِهِ إِلَيْهَا. وَتَصَرَّفَتْ فِيهِ تَصَرُّفًا أَزَالَتْ عَنْهُ نُورَهُ وَصِحَّتَهُ وَفِطْرَتَهُ.
فَبَيْنَ الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ مُنَازَلَاتٌ وَوَقَائِعُ، وَالْحَرْبُ بَيْنَهُمَا دُوَلٌ وَسِجَالٌ، تُدَالُ النَّفْسُ عَلَيْهِ تَارَةً، وَيُدَالُ عَلَيْهَا تَارَةً.
فَهَذَا حَظُّهُ مِنَ السَّمَاعِ: حَظٌّ بَيْنَ الْحَظَّيْنِ، وَنُصِيبُهُ مِنْهُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ، فَإِنْ صَادَفَهُ وَقْتُ دَوْلَةِ الْقَلْبِ: كَانَ حَظُّهُ مِنْهُ قَوِيًّا. وَإِنْ صَادَفَهُ وَقْتُ دَوْلَةِ النَّفْسِ: كَانَ ضَعِيفًا.
وَمِنْ هَاهُنَا يَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْفِقْهِ عَنِ اللَّهِ. وَالْفَهْمِ عَنْهُ. وَالِابْتِهَاجُ وَالنَّعِيمُ بِسَمَاعِ كَلَامِهِ.
وَصَاحِبُ هَذِهِ الْحَالِ - فِي حَالِ سَمَاعِهِ - يَشْتَغِلُ الْقَلْبُ بِالْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْسِ، فَيَفُوتُهُ مِنْ رُوحِ الْمَسْمُوعِ وَنَعِيمِهِ وَلَذَّتِهِ بِحَسَبِ اشْتِغَالِهِ عَنْهُ بِالْمُحَارَبَةِ. وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى حُصُولِ ذَلِكَ بِتَمَامِهِ، حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا. وَرُبَّمَا صَادَفَهُ فِي حَالِ السَّمَاعِ وَارِدُ حُقٍّ، أَوِ الظَّفَرُ بِمَعْنًى بَدِيعٍ لَا يَقْدِرُ فِكْرُهُ عَلَى صَيْدِهِ كُلَّ وَقْتٍ. فَيَغِيبُ بِهِ وَيَسْتَغْرِقُ فِيهِ عَمَّا يَأْتِي بَعْدَهُ. فَيَعْجِزُ عَنْ صَيْدِ تِلْكَ الْمَعَانِي. وَيُدْهِشُهُ ازْدِحَامُهَا. فَيَبْقَى قَلْبُهُ بَاهِتًا. كَمَا يُحْكَى أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ: أَرْسَلَ صَائِدًا لَهُ عَلَى صَيْدٍ. فَخَرَجَ الصَّيْدُ عَلَيْهِ مِنْ أَمَامِهِ وَخَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، فَوَقَفَ بَاهِتًا يَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا. وَلَمْ يَصْطَدْ شَيْئًا. فَقَالَ:

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 388
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست