responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 277
بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي التَّخْلِيقِ. فَإِنَّ أَفْعَالَهُمْ وَتَخْلِيقَهُمْ خَلْقٌ لَهُ سُبْحَانَهُ. فَمَا ثَمَّ خَالِقٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ غَيْرُهُ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ ضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ. وَزَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ، وَاشْتُبِهَتْ فِيهِ مَعِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِحَاطَةِ بِالْقُرْبِ. وَاشْتُبِهَتْ فِيهِ آثَارُ قُرْبِ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالْمُوَافَقَةِ، وَغَلَبَةِ ذِكْرِهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ بِقُرْبِ ذَاتِهِ. وَاشْتُبِهَ فِيهِ مَا فِي الذِّهْنِ بِمَا فِي الْخَارِجِ. وَاشْتُبِهَ اضْمِحْلَالُ شُهُودِ الرَّسْمِ وَانْمِحَاؤُهُ مِنَ الْقَلْبِ بِعَدَمِهِ وَفَنَائِهِ. وَاشْتُبِهَتْ فِيهِ آثَارُ الصِّفَاتِ بِحَقِيقَتِهَا، وَأَنْوَارُ الْمَعْرِفَةِ بِأَنْوَارِ الذَّاتِ.
وَأَصْحَابُهُ - لِتَحْكِيمِهِمُ الْحَالَ وَالذَّوْقَ - لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى لِسَانِ الْعِلْمِ، وَلَا يُصْغُونَ إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِيثَارِ]
[حَقِيقَةُ الْإِيثَارِ]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِيثَارِ
وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْإِيثَارِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] .
فَالْإِيثَارُ ضِدَّ الشُّحِّ. فَإِنَّ الْمُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ تَارِكٌ لِمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. وَالشَّحِيحُ: حَرِيصٌ عَلَى مَا لَيْسَ بِيَدِهِ. فَإِذَا حَصَلَ بِيَدِهِ شَيْءٌ شَحَّ عَلَيْهِ. وَبَخِلَ بِإِخْرَاجِهِ. فَالْبُخْلُ ثَمَرَةُ الشُّحِّ. وَالشُّحُّ يَأْمُرُ بِالْبُخْلِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ. فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا. وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا» .
فَالْبَخِيلُ: مَنْ أَجَابَ دَاعِيَ الشُّحِّ. وَالْمُؤْثِرُ: مَنْ أَجَابَ دَاعِيَ الْجُودِ.
كَذَلِكَ السَّخَاءُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ هُوَ السَّخَاءُ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَخَاءِ الْبَذْلِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: سَخَاءُ النَّفْسِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ أَفْضَلُ مِنْ سَخَاءِ النَّفْسِ بِالْبَذْلِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 277
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست