responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 272
هَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ. مَا أَظُنُّ الشَّيْخَ قَصَدَهُ.
وَإِنَّمَا أَظُنُّهُ قَصَدَ مَعْنًى آخَرَ. وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى تَيَقَّنَ الْعَبْدُ: أَنَّ وُجُودَهُ ثَوْبٌ مُعَارٌ، لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا لَهُ. وَإِنَّمَا إِيجَادُهُ وَصِفَاتُهُ، وَإِرَادَتُهُ، وَقُدْرَتُهُ، وَأَعْمَالُهُ: عَارِيَةٌ مِنَ الْفِعَالِ وَحْدَهُ. وَالْعَبْدُ لَيْسَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إِلَّا الْعَدَمُ. فَوُجُودُهُ وَحَيَاتُهُ: ثَوْبٌ أُعِيرَهُ. فَمَتَى نَظَرَ بِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى كِسْوَتِهِ: رَأَى أَحْسَنَ أَعْمَالِهِ ذُنُوبًا فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَأَصْدَقَ أَحْوَالِهِ زُورًا، وَأَصْفَى قُصُودِهِ قُعُودًا. فَلَا يَرَى لِنَفْسِهِ مِنْهُ عَمَلًا، وَلَا حَالًا وَلَا قَصْدًا. فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ. فَكُلُّ مَا مِنَ النَّفْسِ: فَهُوَ ذَنْبٌ وَزُورٌ وَقُعُودٌ. وَمَا كَانَ مَرْضِيًّا فَهُوَ بِاللَّهِ وَمِنَ اللَّهِ وَلِلَّهِ. لَا بِالنَّفْسِ، وَلَا مِنْهَا، وَلَا لَهَا. فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الطَّاعَةَ: كَانَتْ رُؤْيَتُهُ لِذَلِكَ ذَنْبًا. فَإِنَّهُ قَدْ نَسَبَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْفِعْلِ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَتَخَلَّصُ الْعَبْدُ مِنَ الذَّنْبِ قَطُّ. فَإِنَّهُ إِذَا خَلَّصَ فِعْلَهُ مِنَ الرِّيَاءِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُفْسِدُهُ: اقْتَرَنَ بِهِ آخَرُ. لَا يُمَكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ. وَهُوَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِذَنْبٍ، وَلَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ وَلَا مَأْمُورٌ بِهِ. وَالْكَمَالُ فِي حَقِّهِ: أَنْ يَشْهَدَ الْأَمْرَ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ فَاعِلٌ حَقِيقَةً، كَمَا أَضَافَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْفِعْلَ فِي كِتَابِهِ كُلِّهِ. وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فَاعِلًا. فَإِذَا شَهِدَ نَفْسَهُ فَاعِلًا حَقِيقَةً. وَشَهِدَ فَاعِلِيَّتَهُ بِاللَّهِ، وَمِنَ اللَّهِ. لَا مِنْ نَفْسِهِ: فَلَا ذَنْبَ فِي هَذَا الشُّهُودِ، وَلَا زُورَ بِحَمْدِ اللَّهِ. وَهُوَ نَظَرَ بِمَجْمُوعِ عَيْنَيْهِ إِلَى السَّبَبِ، وَالْمُسَبَّبِ، وَالشَّرْعِ، وَالْقَدَرِ، وَالْخَلْقِ، وَالْأَمْرِ، وَأَنَّهُ مَتَى شَهِدَ نَفْسَهُ عَاصِيًا، مُخَالِفًا، مُذْنِبًا: كَانَ عَاصِيًا بِهَذَا الشُّهُودِ. لِأَنَّ الْفَاعِلَ فِيهِ غَيْرُهُ. وَهَذَا مُنَافٍ لِلْعُبُودِيَّةِ أَشَدَّ مُنَافَاةٍ. وَهُوَ مِنْ سَيْرِ الْقَوْمِ إِلَى شُهُودِ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ، وَاعْتِقَادِهِمْ: أَنَّهُ غَايَةُ السَّالِكِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: الشَّيْخُ هَاهُنَا مَا نَطَقَ بِلِسَانِ الْأَبْرَارِ. وَإِنَّمَا نَطَقَ بِلِسَانِ الْمُقَرَّبِينَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ وَلَسْنَا نُرِيدُ أَنَّ شُهُودَ فِعْلِهِ ذَنْبٌ فِي الشَّرْعِ، بَلْ يَكُونُ حَسَنَةً كَمَا ذَكَرْتُمْ. لَكِنْ هُوَ حَسَنَةٌ لِلْبَرِّ، ذَنْبٌ لِلْمُقَرَّبِ. فَإِنَّ نَصِيبَ الْبَرِّ مِنَ السَّيِّئَةِ: مَا جَاءَ بِهِ الْعِلْمُ. وَنَصِيبُ الْمُقَرَّبِ: مَا جَاءَتْ بِهِ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنَ الْعِلْمِ.
قِيلَ: هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ قَطْعًا. فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ الصَّحِيحَةَ: مُطَابِقَةٌ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا. وَمُخَالِفُ ذَلِكَ فَمَعْرِفَةٌ فَاسِدَةٌ.
وَالْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إِلَى الْفَاعِلِينَ قِيَامًا وَمُبَاشَرَةً، وَصُدُورًا مِنْهُمْ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 272
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست