responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 271
عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ رِضَا الْحَقِّ بِعَمَلِ الْعَبْدِ، أَوْ حَالِهِ، أَوْ وَقْتِهِ، وَإِيقَانِهِ، وَقَصْدِهِ. وَهَذَا مُوجِبُ الصِّدْقِ وَفَائِدَتُهُ وَثَمَرَتُهُ.
فَالشَّيْخُ ذَكَرَ الْغَايَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الَّتِي يُعَرَفُ انْتِفَاءُ الْحَقِيقَةِ بِانْتِفَائِهَا. وَثُبُوتُهَا بِثُبُوتِهَا.
فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَدَقَ اللَّهَ: رَضِيَ اللَّهُ بِعَمَلِهِ، وَحَالِهِ وَيَقِينِهِ، وَقَصْدِهِ. لَا أَنَّ رِضَا اللَّهِ نَفْسُ الصِّدْقِ. وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الصِّدْقُ بِمُوَافَقَةِ رِضَاهُ سُبْحَانَهُ. وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ الْعَبْدُ رِضَاهُ؟ .
فَمِنْ هَاهُنَا كَانَ الصَّادِقُ مُضْطَرًّا - أَشَدَّ الضَّرُورَةِ - إِلَى مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، وَالتَّسْلِيمِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَالتَّعَبُّدِ بِطَاعَتِهِ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ، مَعَ إِخْلَاصِ الْقَصْدِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرْضِيهِ مِنْ عَبْدِهِ إِلَّا ذَلِكَ. وَمَا عَدَا هَذَا فَقُوتُ النَّفْسِ، وَمُجَرَّدُ حَظِّهَا، وَاتِّبَاعُ أَهْوَائِهَا. وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنَ الْمُجَاهَدَاتِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ وَالْخَلَوَاتِ مَا كَانَ. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْ عَبْدِهِ عَمَلًا، أَوْ يَرْضَى بِهِ، حَتَّى يَكُونَ عَلَى مُتَابَعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَالِصًا لِوَجْهِهِ سُبْحَانَهُ.
وَمِنْ هَاهُنَا يُفَارِقُ الصَّادِقُ أَكْثَرَ السَّالِكِينَ. بَلْ يَسْتَوْحِشُ فِي طَرِيقِهِ. وَذَلِكَ لِقِلَّةِ سَالِكِهَا. فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ سَائِرُونَ عَلَى طُرُقِ أَذْوَاقِهِمْ، وَتَجْرِيدِ أَنْفَاسِهِمْ لِنُفُوسِهِمْ، وَمُتَابَعَةِ رُسُومِ شُيُوخِهِمْ. وَالصَّادِقُ فِي وَادٍ. وَهَؤُلَاءِ فِي وَادٍ.
وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْعَبْدُ رَاضِيًا مَرْضِيًّا.
لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا. فَرَضِيَ اللَّهُ بِهِ عَبْدًا. وَأَعْمَالُهُ إِذًا مَرَضِيَّةٌ لِلَّهِ. وَأَحْوَالُهُ صَادِقَةٌ مَعَ اللَّهِ. وَقُصُودُهُ مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى مُتَابَعَةِ أَوَامِرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كُسِيَ ثَوْبًا مُعَارًا، فَأَحْسَنُ أَعْمَالِهِ: ذَنْبٌ. وَأَصْدَقُ أَحْوَالِهِ: زُورٌ. وَأَصْفَى قُصُودِهِ: قُعُودٌ.
هَذَا يُرَادُ بِهِ أَمْرَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُكْسَى حِلْيَةَ الصَّادِقِينَ. وَيُلْبَسَ ثِيَابَهُمْ عَلَى غَيْرِ قُلُوبِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ. فَثَوْبُ الصِّدْقِ عَارِيَةٌ لَهُ، لَا مِلْكٌ لَهُ. فَهُوَ كَالْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يُعْطَ. فَإِنَّهُ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ. فَهَذَا أَحْسَنُ أَعْمَالِهِ: ذَنْبٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ. كَمَا يُعَاقَبُ الْمَقْتُولُ فِي الْجِهَادِ، وَالْقَارِئُ الْقُرْآنَ الْمُتَنَسِّكُ، وَالْمُتَصَدِّقُ، وَيَكُونُونَ أَوَّلَ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لَمَّا لَبِسُوا ثِيَابَ الصَّادِقِينَ عَلَى قُلُوبِ الْمُرَائِينَ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست