responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 26
الْبَاعِثِ عَلَى تَرْكِ مَعْصِيَةِ الْمَحْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ تَعْظِيمِهِ. وَإِلَّا فَلَوْ خَلَا الْقَلْبُ مِنْ تَعْظِيمِهِ لَمْ تَسْتَلْزِمْ مَحَبَّتُهُ تَرْكَ مُخَالَفَتِهِ؛ كَمَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ وَلَدَهُ وَعَبْدَهُ وَأَمَتَهُ. فَإِذَا قَارَنَهُ التَّعْظِيمُ أَوْجَبَ تَرْكَ الْمُخَالَفَةِ.
قَالَ: وَهُوَ آخِرُ مَقَامِ الزُّهْدِ لِلْعَامَّةِ، وَأَوَّلُ مَقَامِ الزُّهْدِ لِلْمُرِيدِ.
يَعْنِي أَنَّ هَذَا التَّوَقِّيَ وَالتَّحَرُّجَ - بِوَصْفِ الْحَذَرِ وَالتَّعْظِيمِ - هُوَ نِهَايَةٌ لِزُهْدِ الْعَامَّةِ، وَبِدَايَةٌ لِزُهْدِ الْمُرِيدِ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَرَعَ - كَمَا تَقَدَّمَ - هُوَ أَوَّلُ الزُّهْدِ وَرُكْنُهُ، وَزُهْدُ الْمُرِيدُ فَوْقَ زُهْدِ الْعَامَّةِ. وَنِهَايَةُ الْعَامَّةِ هِيَ بِدَايَةُ الْمُرِيدِ. فَنِهَايَةُ مَقَامِ هَذَا هِيَ بِدَايَةُ مَقَامِ هَذَا. فَإِذَا انْتَهَى وَرَعُ الْعَامَّةِ صَارَ زُهْدًا. وَهُوَ أَوَّلُ وَرَعِ الْمُرِيدِ.

[دَرَجَاتُ الْوَرَعِ]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَجَنُّبُ الْقَبَائِحِ لِصَوْنِ النَّفْسِ]
قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: تَجَنُّبُ الْقَبَائِحِ لِصَوْنِ النَّفْسِ. وَتَوْفِيرُ الْحَسَنَاتِ. وَصِيَانَةُ الْإِيمَانِ.
هَذِهِ ثَلَاثُ فَوَائِدَ مِنْ فَوَائِدِ تَجَنُّبِ الْقَبَائِحِ.
إِحْدَاهَا: صَوْنُ النَّفْسِ. وَهُوَ حِفْظُهَا وَحِمَايَتُهَا عَمَّا يَشِينُهَا، وَيَعِيبُهَا وَيُزْرِي بِهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتِهِ، وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَائِرِ خَلْقِهِ. فَإِنَّ مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَكَبُرَتْ عِنْدَهُ صَانَهَا وَحَمَاهَا، وَزَكَّاهَا وَعَلَّاهَا، وَوَضَعَهَا فِي أَعْلَى الْمَحَالِّ. وَزَاحَمَ بِهَا أَهْلَ الْعَزَائِمِ وَالْكِمَالَاتِ. وَمَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَصَغُرَتْ عِنْدَهُ أَلْقَاهَا فِي الرَّذَائِلِ. وَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، وَحَلَّ زِمَامَهَا وَأَرْخَاهُ. وَدَسَّاهَا وَلَمْ يَصُنْهَا عَنْ قَبِيحٍ. فَأَقَلُّ مَا فِي تَجَنُّبِ الْقَبَائِحِ: صَوْنُ النَّفْسِ.
وَأَمَّا تَوْفِيرُ الْحَسَنَاتِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَوْفِيرُ زَمَانِهِ عَلَى اكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ. فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْقَبَائِحِ نَقَصَتْ عَلَيْهِ الْحَسَنَاتُ الَّتِي كَانَ مُسْتَعِدًّا لِتَحْصِيلِهَا.
وَالثَّانِي: تَوْفِيرُ الْحَسَنَاتِ الْمُفَعْوِلَةِ عَنْ نُقْصَانِهَا بِمُوَازَنَةِ السَّيِّئَاتِ وَحُبُوطِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ أَنَّ السَّيِّئَاتِ قَدْ تُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ، وَقَدْ تَسْتَغْرِقُهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ تُنْقِصُهَا. فَلَا بُدَّ أَنْ تُضْعِفَهَا قَطْعًا، فَتَجَنُّبُهَا يُوَفِّرُ دِيوَانَ الْحَسَنَاتِ. وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَهُ مَالٌ حَاصِلٌ. فَإِذَا اسْتَدَانَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يَسْتَغْرِقَهُ الدَّيْنُ أَوْ يُكْثِرَهُ أَوْ يُنْقِصَهُ، فَهَكَذَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ سَوَاءً.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 26
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست