responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 27
وَأَمَّا صِيَانَةُ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ. وَقَدْ حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَإِضْعَافُ الْمَعَاصِي لِلْإِيمَانِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالذَّوْقِ وَالْوُجُودِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ - كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ - «إِذَا أَذْنَبَ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ. فَإِنْ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ. وَإِنْ عَادَ فَأَذْنَبَ نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ أُخْرَى، حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ. وَذَلِكَ الرَّانُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] » . فَالْقَبَائِحُ تُسَوِّدُ الْقَلْبَ، وَتُطْفِئُ نُورَهُ. وَالْإِيمَانُ هُوَ نُورٌ فِي الْقَلْبِ. وَالْقَبَائِحُ تَذْهَبُ بِهِ أَوْ تُقَلِّلُهُ قَطْعًا. فَالْحَسَنَاتُ تَزِيدُ نُورَ الْقَلْبِ. وَالسَّيِّئَاتُ تُطْفِئُ نُورَ الْقَلْبِ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَسْبَ الْقُلُوبِ سَبَبٌ لِلرَّانِّ الَّذِي يَعْلُوهَا. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْكَسَ الْمُنَافِقِينَ بِمَا كَسَبُوا. فَقَالَ: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88] . وَأَخْبَرَ أَنَّ نَقْضَ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى عِبَادِهِ سَبَبٌ لِتَقْسِيَةِ الْقَلْبِ. فَقَالَ: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13] . فَجَعَلَ ذَنْبَ النَّقْضِ مُوجِبًا لِهَذِهِ الْآثَارِ مِنْ تَقْسِيَةِ الْقَلْبِ، وَاللَّعْنَةِ، وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ، وَنِسْيَانِ الْعِلْمِ.
فَالْمَعَاصِي لِلْإِيمَانِ كَالْمَرَضِ وَالْحُمَّى لِلْقُوَّةِ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَلِذَلِكَ قَالَ السَّلَفُ: الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ، كَمَا أَنَّ الْحُمَّى بَرِيدُ الْمَوْتِ.
فَإِيمَانُ صَاحِبِ الْقَبَائِحِ كَقُوَّةِ الْمَرِيضِ عَلَى حَسَبِ قُوَّةِ الْمَرَضِ وَضَعْفِهِ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ - وَهِيَ صَوْنُ النَّفْسِ، وَتَوْفِيرُ الْحَسَنَاتِ، وَصِيَانَةُ الْإِيمَانِ - هِيَ أَرْفَعُ مِنْ بَاعِثِ الْعَامَّةِ عَلَى الْوَرَعِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا أَرْفَعُ هِمَّةً، لِأَنَّهُ عَامِلٌ عَلَى تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ وَصَوْنِهَا، وَتَأْهِيلِهَا لِلْوُصُولِ إِلَى رَبِّهَا. فَهُوَ يَصُونُهَا عَمَّا يَشِينُهَا عِنْدَهُ. وَيَحْجُبُهَا عَنْهُ. وَيَصُونُ حَسَنَاتِهِ عَمَّا يُسْقِطُهَا وَيَضَعُهَا؛ لِأَنَّهُ يَسِيرُ بِهَا إِلَى رَبِّهِ. وَيَطْلُبُ بِهَا رِضَاهُ. وَيَصُونُ إِيمَانَهُ بِرَبِّهِ مِنْ حُبِّهِ لَهُ، وَتَوْحِيدِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ إِيَّاهُ عَمَّا يُطْفِئُ نُورَهُ. وَيُذْهِبُ بَهْجَتَهُ، وَيُوهِنُ قُوَّتَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ:
" وَهَذِهِ الثَّلَاثُ الصِّفَاتِ: هِيَ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مِنْ وَرَعِ الْمُرِيدِينَ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 27
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست