responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 192
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: حُصُولُ الْعُبُودِيَّةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الَّتِي لَوْلَا خَلْقُ إِبْلِيسَ لَمَا حَصَلَتْ. وَلَكَانَ الْحَاصِلُ بَعْضَهَا، لَا كُلَّهَا.
فَإِنَّ عُبُودِيَّةَ الْجِهَادِ مِنْ أَحَبِّ أَنْوَاعِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ. وَلَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُؤْمِنِينَ لَتَعَطَّلَتْ هَذِهِ الْعُبُودِيَّةُ وَتَوَابِعُهَا: مِنَ الْمُوَالَاةِ فِيهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمُعَادَاةِ فِيهِ، وَالْحُبِّ فِيهِ وَالْبُغْضِ فِيهِ. وَبَذْلِ النَّفْسِ لَهُ فِي مُحَارَبَةِ عَدُوِّهِ، وَعُبُودِيَّةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعُبُودِيَّةُ الصَّبْرِ وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى، وَإِيثَارُ مَحَابِّ الرَّبِّ عَلَى مَحَابِّ النَّفْسِ.
وَمِنْهَا: عُبُودِيَّةُ التَّوْبَةِ، وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ وَاسْتِغْفَارُهُ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ. وَيُحِبُّ تَوْبَتَهُمْ. فَلَوْ عُطِّلَتِ الْأَسْبَابُ الَّتِي يُتَابُ مِنْهَا لَتَعَطَّلَتْ عُبُودِيَّةُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهَا.
وَمِنْهَا: عُبُودِيَّةُ مُخَالَفَةِ عَدُوِّهِ، وَمُرَاغَمَتِهِ فِي اللَّهِ، وَإِغَاظَتِهِ فِيهِ. وَهِيَ مِنْ أَحَبِّ أَنْوَاعِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَيْهِ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ مِنْ وَلِيِّهِ أَنْ يَغِيظَ عَدُوَّهُ وَيُرَاغِمَهُ وَيَسُوءَهُ. وَهَذِهِ عُبُودِيَّةٌ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا إِلَّا الْأَكْيَاسُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَتَعَبَّدَ لَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَسُؤَالِهِ أَنْ يُجِيرَهُ مِنْهُ، وَيَعْصِمَهُ مِنْ كَيْدِهِ وَأَذَاهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عَبِيدَهُ يَشْتَدُّ خَوْفُهُمْ وَحَذَرُهُمْ إِذَا رَأَوْا مَا حَلَّ بِعَدُوِّهِ بِمُخَالَفَتِهِ، وَسُقُوطِهِ مِنَ الْمَرْتَبَةِ الْمَلَكِيَّةِ إِلَى الْمَرْتَبَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ. فَلَا يَخْلُدُونَ إِلَى غُرُورِ الْأَمَلِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ يَنَالُونَ ثَوَابَ مُخَالَفَتِهِ وَمُعَادَاتِهِ، الَّذِي حُصُولُهُ مَشْرُوطٌ بِالْمُعَادَاةِ وَالْمُخَالَفَةِ. فَأَكْثَرُ عِبَادَاتِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى مُخَالَفَتِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ نَفْسَ اتِّخَاذِهِ عَدُوًّا مِنْ أَكْبَرِ أَنْوَاعِ الْعُبُودِيَّةِ وَأَجَلِّهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] . فَاتِّخَاذُهُ عَدُوًّا أَنْفَعُ شَيْءٍ لِلْعَبْدِ. وَهُوَ مَحْبُوبٌ لِلرَّبِّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الطَّبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ. وَذَلِكَ كَامِنٌ فِيهَا كُمُونَ النَّارِ فِي الزِّنَادِ. فَخُلِقَ الشَّيْطَانُ مُسْتَخْرِجًا لِمَا فِي طَبَائِعِ أَهْلِ الشَّرِّ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ. وَأُرْسِلَتِ الرُّسُلُ تَسْتَخْرِجُ مَا فِي طَبِيعَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ. فَاسْتَخْرَجَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ مَا فِي قُوَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْخَيْرِ الْكَامِنِ فِيهَا، لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ آثَارُهُ،

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 192
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست