responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 185
فَلْيَتَّخِذْ رَبًّا سِوَايَ. وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنَ السَّخَطِ عَلَى رَبِّهِ إِلَّا بِالرِّضَا عَنْهُ. إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الرِّضَا وَالسَّخَطِ - فَكَلَامٌ مَدْخُولٌ. لِأَنَّ السُّخْطَ بِالْمَقْضِيِّ لَا يَسْتَلْزِمُ السُّخْطَ عَلَى مَنْ قَضَاهُ، كَمَا أَنَّ كَرَاهَةَ الْمَقْضِيِّ وَبُغْضَهُ وَالنُّفْرَةَ عَنْهُ لَا تَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَ ذَلِكَ بِالَّذِي قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ. فَالْمَقْضِيُّ قَدْ يَسْخَطُهُ الْعَبْدُ وَهُوَ رَاضٍ عَمَّنْ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ. بَلْ قَدْ يَجْتَمِعُ تَسَخُّطُهُ وَالرِّضَا بِنَفْسِ الْقَضَاءِ. كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ سُوءَ ظَنِّ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ وَمُنَازَعَتَهُ لَهُ فِي اخْتِيَارِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ فِي الْحَالَتَيْنِ. فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَسْخَطُ الْمَقْدُورَ وَيُنَازِعُهُ بِمَقْدُورٍ آخَرَ. كَمَا يُنَازِعُ الْقَدَرَ الَّذِي يَكْرَهُهُ رَبُّهُ بِالْقَدَرِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ. فَيُنَازِعُ قَدَرَ اللَّهِ بِقَدَرِ اللَّهِ بِاللَّهِ لِلَّهِ، كَمَا يَسْتَعِيذُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ، وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْهُ.
فَأَمَّا كَوْنُهُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ خِلَافَ مَا يَخْتَارُهُ الرَّبُّ فَهَذَا مَوْضِعُ تَفْصِيلٍ. لَا يُسْحَبُ عَلَيْهِ ذَيْلُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. فَاخْتِيَارُ الرَّبِّ تَعَالَى لِعَبْدِهِ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: اخْتِيَارٌ دِينِيٌّ شَرْعِيٌّ. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ لَا يَخْتَارَ فِي هَذَا النَّوْعِ غَيْرَ مَا اخْتَارَهُ لَهُ سَيِّدُهُ. قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فَاخْتِيَارُ الْعَبْدِ خِلَافَ ذَلِكَ مُنَافٍ لِإِيمَانِهِ وَتَسْلِيمِهِ، وَرِضَاهُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا.
النَّوْعُ الثَّانِي: اخْتِيَارٌ كَوْنِيٌّ قَدَرِيٌّ. لَا يَسْخَطُهُ الرَّبُّ، كَالْمَصَائِبِ الَّتِي يَبْتَلِي اللَّهُ بِهَا عَبْدَهُ. فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ فِرَارُهُ مِنْهَا إِلَى الْقَدَرِ الَّذِي يَرْفَعُهَا عَنْهُ، وَيَدْفَعُهَا وَيَكْشِفُهَا. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُنَازَعَةٌ لِلرُّبُوبِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَازَعَةٌ لِلْقَدَرِ بِالْقَدَرِ.
فَهَذَا يَكُونُ تَارَةً وَاجِبًا، وَتَارَةً يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَتَارَةً يَكُونُ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا.
وَأَمَّا الْقَدَرُ الَّذِي لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ - مِثْلَ قَدَرِ الْمَعَائِبِ وَالذُّنُوبِ - فَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِسَخَطِهَا. وَمَنْهِيٌّ عَنِ الرِّضَا بِهَا.
وَهَذَا هُوَ التَّفْصِيلُ الْوَاجِبُ فِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ.
وَقَدِ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا عَظِيمًا. وَنَجَا مِنْهُ أَصْحَابُ الْفِرَقِ وَالتَّفْصِيلِ. فَإِنَّ لَفْظَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ لَفْظٌ مَحْمُودٌ مَأْمُورٌ بِهِ. وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 185
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست