responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 39
وَقَدِ اسْتَدَلَّ السَّلَفُ عَلَى إِثْبَاتِ الْعَيْنَيْنِ لَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إِثْبَاتًا وَاسْتِدْلَالًا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كُتُبِهِ كُلِّهَا، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ وَالْإِبَانَةِ، وَالْمُوجَزِ، وَهَذَا لَفْظُهُ فِيهَا: وَأَنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] فَهَذَا الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ يَفْهَمُوا مِنَ الْأَعْيُنِ أَعْيُنًا كَثِيرَةً، وَلَا مِنَ الْأَيْدِي أَيَادٍ كَثِيرَةً عَلَى شِقٍّ وَاحِدٍ.
وَلَمَّا رَدَّ أَهْلُ السُّنَّةِ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ لَمْ يَقْدِرِ الْجَهْمِيَّةُ عَلَى أَخْذِ الثَّأْرِ مِنْهُمْ إِلَّا بِأَنْ سَمُّوهُمْ مُشَبِّهَةً، مُمَثِّلَةً، مُجَسِّمَةً، حَشَوِيَّةً، وَلَوْ كَانَ لِهَؤُلَاءِ عُقُولٌ لَعَلِمُوا أَنَّ التَّلْقِيبَ بِهَذِهِ الْأَلْقَابِ لَيْسَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ جَاءَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ وَتَكَلَّمَ بِهَا، وَدَعَا الْأُمَّةَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهَا، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَحْرِيفِهَا وَتَبْدِيلِهَا، وَلَوْ كَانَ خُصُومُكُمْ كَمَا زَعَمْتُمْ وَحَاشَاهُمْ مُشَبِّهَةً مُمَثِّلَةً مُجَسِّمَةً لَكَانُوا أَقَلَّ تَنَقُّصًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْكُمْ وَكِتَابِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِكَثِيرٍ، لَوْ كَانَ قَوْلُهُمْ يَقْتَضِي التَّنْقِيصَ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَقْتَضِيهِ لَوْ صَرَّحُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ أَثْبَتْنَا لَهُ غَايَةَ الْكَمَالِ وَنُعُوتَ الْجَلَالِ وَوَصَفْنَاهُ بِكُلِّ صِفَةِ كَمَالٍ، فَإِنْ لَزِمَ مِنْ هَذَا تَجْسِيمٌ وَتَشْبِيهٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا وَلَا عَيْبًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ لَازِمَ الْحَقِّ حَقٌّ، وَمَا لَزِمَ مِنْ إِثْبَاتِ كَمَالِ الرَّبِّ لَيْسَ بِنَقْصٍ.
وَأَمَّا أَنْتُمْ فَنَفَيْتُمْ عَنْهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَازِمَ هَذَا النَّفْيِ وَصْفُهُ بِأَضْدَادِهَا مِنَ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، فَمَا سَوَّى اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا عُقَلَاءُ عِبَادِهِ بَيْنَ مَنْ نَفَى كَمَالَهُ الْمُقَدَّسَ حَذَرًا مِنَ التَّجْسِيمِ، وَبَيْنَ مَنْ أَثْبَتَ كَمَالَهُ الْأَعْظَمَ وَصِفَاتِهِ الْعُلَى بِلَوَازِمِ ذَلِكَ، كَائِنَةً مَا كَانَتْ.
فَلَوْ فَرَضْنَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَقُولُ: لَهُ سَمْعٌ كَسَمْعِ الْمَخْلُوقِ وَبَصَرٌ كَبَصَرِهِ وَيَدٌ كَيَدِهِ، لَكَانَ أَدْنَى إِلَى الْحَقِّ مِمَّنْ يَقُولُ: لَا سَمْعَ وَلَا بَصَرَ وَلَا يَدَ، وَلَوْ فَرَضْنَا قَائِلًا يَقُولُ: إِنَّهُ مُتَحَيِّزٌ عَلَى عَرْشِهِ، تُحِيطُ بِهِ الْحُدُودُ وَالْجِهَاتُ لَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَهٌ يُعْبَدُ وَلَا تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا هُوَ فَوْقَ خَلْقِهِ وَلَا مُحَايِثُهُمْ وَلَا مُبَايِنُهُمْ، فَإِنَّ هَذَا مُعَطِّلٌ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ رَادٌّ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَذَلِكَ الْمُشَبِّهُ غَالِطٌ مُخْطِئٌ فِي فَهْمِهِ، فَالْمُشَبِّهُ عَلَى زَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ لَمْ يُشَبِّهْهُ تَنَقُّصًا لَهُ وَجَحْدًا لِكَمَالِهِ، بَلْ ظَنًّا أَنَّ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِذَلِكَ، فَقَابَلْتُمُوهُ بِتَعْطِيلِ كَمَالِهِ، وَذَلِكَ غَايَةُ التَّنْقِيصِ.

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 39
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست