responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 5  صفحه : 193
فَأَمَّا الْمَأْخَذُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ، فَبَاطِلٌ، إِذِ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْعَقْلُ، وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ مُكَلَّفًا، لَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ طَلَاقُهُ إِذَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهَا، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا خَمْرٌ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ.
وَأَمَّا خِطَابُهُ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الَّذِي يَعْقِلُ الْخِطَابَ، أَوْ عَلَى الصَّاحِي، وَأَنَّهُ نُهِيَ عَنِ السُّكْرِ إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْقِلُ فَلَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى.
وَأَمَّا إِلْزَامُهُ بِجِنَايَاتِهِ، فَمَحَلُّ نِزَاعٍ لَا مَحَلُّ وِفَاقٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتَّيُّ: لَا يَلْزَمُهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا حَدٌّ، إِلَّا حَدَّ الْخَمْرِ فَقَطْ، وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي كُلِّ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ.
وَالَّذِينَ اعْتَبَرُوا أَفْعَالَهُ دُونَ أَقْوَالِهِ، فَرَّقُوا بِفَرْقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِسْقَاطَ أَفْعَالِهِ ذَرِيعَةٌ إِلَى تَعْطِيلِ الْقِصَاصِ، إِذْ كُلُّ مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِهِ أَوِ الزِّنَى أَوِ السَّرِقَةَ أَوِ الْحِرَابَ، سَكِرَ وَفَعَلَ ذَلِكَ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا أَتَى جُرْمًا وَاحِدًا، فَإِذَا تَضَاعَفَ جُرْمُهُ بِالسُّكْرِ كَيْفَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ؟ هَذَا مِمَّا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا، وَقَالَ أحمد مُنْكِرًا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ: وَبَعْضُ مَنْ يَرَى طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَيْسَ بِجَائِزٍ يَزْعُمُ أَنَّ السَّكْرَانَ لَوْ جَنَى جِنَايَةً، أَوْ أَتَى حَدًّا، أَوْ تَرَكَ الصِّيَامَ أَوِ الصَّلَاةَ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَرْسَمِ وَالْمَجْنُونِ، هَذَا كَلَامُ سُوءٍ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ إِلْغَاءَ أَقْوَالِهِ لَا يَتَضَمَّنُ مَفْسَدَةً؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُجَرَّدَ مِنْ غَيْرِ الْعَاقِلِ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّ مَفَاسِدَهَا لَا يُمْكِنُ إِلْغَاؤُهَا إِذَا وَقَعَتْ، فَإِلْغَاءُ أَفْعَالِهِ ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَفَسَادٌ مُنْتَشِرٌ بِخِلَافِ أَقْوَالِهِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَانِ الْفَرْقَانِ، بَطَلَ الْإِلْحَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّا كَانَتِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مُتَعَيِّنَةً.
وَأَمَّا الْمَأْخَذُ الثَّانِي - وَهُوَ أَنَّ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهِ عُقُوبَةٌ لَهُ - فَفِي غَايَةِ الضَّعْفِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَكْفِيهِ عُقُوبَةً، وَقَدْ حَصَلَ رِضَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 5  صفحه : 193
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست