responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 379
وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَكُونُ صُلْحًا، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَلَمْ يَحْبِسِ اللَّهُ خَيْلَ رَسُولِهِ وَرِكَابَهُ عَنْهَا، كَمَا حَبَسَهَا يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ الصُّلْحِ حَقًّا، فَإِنَّ الْقَصْوَاءَ لَمَّا بَرَكَتْ بِهِ قَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ قَالَ: ( «مَا خَلَأَتْ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ» ) ثُمَّ قَالَ: ( «وَاللَّهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرْمَةً مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمُوهَا» ) .
وَكَذَلِكَ جَرَى عَقْدُ الصُّلْحِ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ، وَمَحْضَرِ مَلَإٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، فَجَرَى مِثْلُ هَذَا الصُّلْحِ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ وَلَا يُكْتَبُ وَلَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْضُرُهُ أَحَدٌ، وَلَا يُنْقَلُ كَيْفِيَّتُهُ وَالشُّرُوطُ فِيهِ، هَذَا مِنَ الْمُمْتَنِعِ الْبَيِّنِ امْتِنَاعُهُ، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ ( «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» ) كَيْفَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قَهْرَ رَسُولِهِ وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ لِأَهْلِهَا أَعْظَمُ مِنْ قَهْرِ الْفِيلِ الَّذِي كَانَ يَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً، فَحَبَسَهُ عَنْهُمْ، وَسَلَّطَ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى فَتَحُوهَا عَنْوَةً بَعْدَ الْقَهْرِ وَسُلْطَانِ الْعَنْوَةِ، وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَجَلَّ قَدْرًا، وَأَعْظَمَ خَطَرًا، وَأَظْهَرَ آيَةً وَأَتَمَّ نُصْرَةً، وَأَعْلَى كَلِمَةً مِنْ أَنْ يُدْخِلَهُمْ تَحْتَ رِقِّ الصُّلْحِ، وَاقْتِرَاحِ الْعَدُوِّ وَشُرُوطِهِمْ، وَيَمْنَعُهُمْ سُلْطَانَ الْعَنْوَةِ وَعِزَّهَا وَظَفَرَهَا فِي أَعْظَمِ فَتْحٍ فَتَحَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَأَعَزَّ بِهِ دِينَهُ، وَجَعَلَهُ آيَةً لِلْعَالَمِينَ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهَا لَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ دَاخِلَةٌ فِي الْغَنَائِمِ الَّتِي قَسَمَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بَعْدَ تَخْمِيسِهَا، وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْغَنَائِمِ الَّتِي تَجِبُ قِسْمَتُهَا، وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، فَإِنَّ بلالا وَأَصْحَابَهُ لَمَّا طَلَبُوا مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً، وَهِيَ الشَّامُ وَمَا حَوْلَهَا، وَقَالُوا لَهُ خُذْ خُمُسَهَا وَاقْسِمْهَا، فَقَالَ عمر: هَذَا غَيْرُ الْمَالِ، وَلَكِنْ أَحْبِسُهُ فَيْئًا يَجْرِي عَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ بلال وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، فَقَالَ عمر:

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 379
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست