responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 73
وَأَيْضًا فَلَا رَيْبَ أَنَّ الذَّبِيحَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَلِذَلِكَ جُعِلَتِ الْقَرَابِينُ يَوْمَ النَّحْرِ بِهَا، كَمَا جُعِلَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَذْكِيرًا لِشَأْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ، وَإِقَامَةً لِذِكْرِ اللَّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ هُمَا اللَّذَانِ كَانَا بِمَكَّةَ دُونَ إِسْحَاقَ وَأُمِّهِ، وَلِهَذَا اتَّصَلَ مَكَانُ الذَّبْحِ وَزَمَانُهُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ الَّذِي اشْتَرَكَ فِي بِنَائِهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ، وَكَانَ النَّحْرُ بِمَكَّةَ مِنْ تَمَامِ حَجِّ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ عَلَى يَدِ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ زَمَانًا وَمَكَانًا، وَلَوْ كَانَ الذَّبْحُ بِالشَّامِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُمْ لَكَانَتِ الْقَرَابِينُ وَالنَّحْرُ بِالشَّامِ لَا بِمَكَّةَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَمَّى الذَّبِيحَ حَلِيمًا؛ لِأَنَّهُ لَا أَحْلَمَ مِمَّنْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ طَاعَةً لِرَبِّهِ. وَلَمَّا ذَكَرَ إِسْحَاقَ سَمَّاهُ عَلِيمًا، فَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ - إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات: 24 - 25] الذَّارِيَاتِ: 24 - 25] إِلَى أَنْ قَالَ: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] [الذَّارِيَاتِ: 28] وَهَذَا إِسْحَاقُ بِلَا رَيْبٍ لِأَنَّهُ مِنَ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ الْمُبَشَّرَةُ بِهِ، وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَمِنَ السُّرِّيَّةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمَا بُشِّرَا بِهِ عَلَى الْكِبَرِ وَالْيَأْسِ مِنَ الْوَلَدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَى الْعَادَةَ الْبَشَرِيَّةَ أَنَّ بِكْرَ الْأَوْلَادِ أَحَبُّ إِلَى الْوَالِدَيْنِ مِمَّنْ بَعْدَهُ، وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَأَلَ رَبَّهُ الْوَلَدَ وَوَهَبَهُ لَهُ تَعَلَّقَتْ شُعْبَةٌ مِنْ قَلْبِهِ بِمَحَبَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، وَالْخُلَّةُ مَنْصِبٌ يَقْتَضِي تَوْحِيدَ الْمَحْبُوبِ بِالْمَحَبَّةِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِيهَا، فَلَمَّا أَخَذَ الْوَلَدُ شُعْبَةً مِنْ قَلْبِ الْوَالِدِ جَاءَتْ غَيْرَةُ الْخُلَّةِ تَنْتَزِعُهَا مِنْ قَلْبِ الْخَلِيلِ، فَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الْمَحْبُوبِ، فَلَمَّا أَقْدَمَ عَلَى ذَبْحِهِ وَكَانَتْ مَحَبَّةُ اللَّهِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ مَحَبَّةِ الْوَلَدِ خَلَصَتِ الْخُلَّةُ حِينَئِذٍ مِنْ شَوَائِبِ الْمُشَارَكَةِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الذَّبْحِ مَصْلَحَةٌ، إِذْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي الْعَزْمِ وَتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَيْهِ، فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَنُسِخَ الْأَمْرُ وَفُدِيَ الذَّبِيحُ، وَصَدَّقَ الْخَلِيلُ الرُّؤْيَا، وَحَصَلَ مُرَادُ الرَّبِّ.

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست