responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 97
فَصْلٌ:
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّ الثَّنَاءَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمْ كُلَّهُمْ " فَنَقُولُ: الْآيَةُ اقْتَضَتْ الثَّنَاءَ عَلَى مَنْ يَتَّبِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ} [التوبة: 100] يَقْتَضِي حُصُولَ الرِّضْوَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّابِقِينَ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ فِي قَوْلِهِ {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي} [التوبة: 100] وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {اتَّبَعُوهُمْ} [التوبة: 100] لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَّقَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَدْ تَنَاوَلَهُمْ مُجْتَمِعِينَ وَمُنْفَرِدِينَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِأَسْمَاءٍ عَامَّةٍ ثُبُوتُهَا لِكُلِّ فَرَدٍّ فَرْدٌ مِنْ تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ كَقَوْلِهِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] وَقَوْلِهِ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 18] وقَوْله تَعَالَى {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُعَلَّقَةَ عَلَى الْمَجْمُوعِ يُؤْتَى فِيهَا بِاسْمٍ يَتَنَاوَلُ الْمَجْمُوعَ دُونَ الْأَفْرَادِ كَقَوْلِهِ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَقَوْلِهِ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وَقَوْلِهِ {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] فَإِنَّ لَفْظَ الْأُمَّةِ وَلَفْظَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُمْكِنُ تَوْزِيعُهُ عَلَى أَفْرَادِ الْأُمَّةِ، وَأَفْرَادِ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ لَفْظِ السَّابِقِينَ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ السَّابِقِينَ.
وَأَيْضًا فَالْآيَةُ تَعُمُّ اتِّبَاعَهُمْ مُجْتَمِعِينَ وَمُنْفَرِدِينَ فِي كُلِّ مُمْكِنٍ؛ فَمَنْ اتَّبَعَ جَمَاعَتَهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا وَاتَّبَعَ آحَادَهُمْ فِيمَا وَجَدَ عَنْهُمْ مِمَّا لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْهُمْ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اتَّبَعَ السَّابِقِينَ، أَمَّا مَنْ خَالَفَ بَعْضَ السَّابِقِينَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ " اتَّبَعَ السَّابِقِينَ " لِوُجُودِ مُخَالَفَتِهِ لِبَعْضِهِمْ، لَا سِيَّمَا إذَا خَالَفَ هَذَا مَرَّةً، وَهَذَا مَرَّةً، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْ اتِّبَاعِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا؛ فَإِنَّ اتِّبَاعَهُمْ هُنَاكَ قَوْلُ بَعْضِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ بِاجْتِهَادٍ وَاسْتِدْلَالٍ، إذْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى تَسْوِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ لِمَنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، فَقَدْ قَصَدَ اتِّبَاعَهُمْ أَيْضًا، أَمَّا إذَا قَالَ الرَّجُلُ قَوْلًا، وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّ السَّابِقِينَ سَوَّغُوا خِلَافَ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَأَيْضًا فَالْآيَةُ تَقْتَضِي اتِّبَاعَهُمْ مُطْلَقًا.
فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الطَّالِبَ وَقَفَ عَلَى نَصٍّ يُخَالِفُ قَوْلَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَوْ ظَفِرَ بِذَلِكَ النَّصِّ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ، أَمَّا إذَا رَأَيْنَا رَأْيًا فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ الرَّأْيِ، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ اتِّبَاعُهُمْ إلَّا فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ اتِّبَاعُهُمْ إلَّا فِيمَا قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ خَلْقٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا إلَّا عَلَى ذَلِكَ؛ فَيَكُونُ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ؛ إذْ الِاتِّبَاعُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَأَيْضًا فَجَمِيعُ السَّابِقِينَ قَدْ مَاتَ مِنْهُمْ أُنَاسٌ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى اتِّبَاعِهِمْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَوْ فَرَضْنَا أَحَدًا يَتَّبِعُهُمْ إذْ ذَاكَ لَكَانَ مِنْ السَّابِقِينَ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّابِعِينَ لَا يُمْكِنُهُمْ اتِّبَاعُ جَمِيعِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 97
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست