responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 96
مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُسْتَدِلِّينَ لَيْسَ تَبَعًا لِلْآخَرِ وَلَا مُفْتَقِرًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَشْعِرَ مُوَافَقَتَهُ وَالِانْقِيَادَ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ وَافَقَ رَجُلًا فِي اجْتِهَادِهِ أَوْ فَتْوَاهُ اتِّفَاقًا إنَّهُ مُتَّبِعٌ لَهُ. السَّادِسُ: أَنَّ الْآيَةَ قُصِدَ بِهَا مَدْحُ السَّابِقِينَ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، وَبَيَانُ اسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً مَتْبُوعِينَ، وَبِتَقْدِيرِ أَلَّا يَكُونَ قَوْلُهُمْ مُوجِبًا لِلْمُوَافَقَةِ وَلَا مَانِعًا مِنْ الْمُخَالَفَةِ - بَلْ إنَّمَا يَتَّبِعُ الْقِيَاسَ مَثَلًا - لَا يَكُونُ لَهُمْ هَذَا الْمَنْصِبُ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَ هَذَا الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ؛ السَّابِعُ: أَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ فَلَمْ يَتَّبِعْهُمْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَلَا فِيمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لَهُمْ بِمُجَرَّدِ مُشَارَكَتِهِمْ فِي صِفَةٍ عَامَّةٍ، وَهِيَ مُطْلَقُ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاجْتِهَادِ، وَلَا سِيَّمَا وَتِلْكَ الصِّفَةُ الْعَامَّةُ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَنْفِي الِاتِّبَاعَ أَخَصُّ مِمَّا يُثْبِتُهُ.
وَإِذَا وُجِدَ الْفَارِقُ الْأَخَصُّ وَالْجَامِعُ الْأَعَمُّ - وَكِلَاهُمَا مُؤَثِّرٌ - كَانَ التَّفْرِيقُ رِعَايَةً لِلْفَارِقِ أَوْلَى مِنْ الْجَمْعِ رِعَايَةً لِلْجَامِعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَافَقَ أَوْ خَالَفَ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَالَفَ لَمْ يَتَّبِعْهُمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ بِإِحْسَانٍ، وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ فِيهِ اتِّبَاعٌ لَهُمْ، لَكِنَّ الِاتِّبَاعَ لَهُمْ اسْمٌ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ وَافَقَهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ، فَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّبِعُ مُحْسِنًا بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ؛ لِئَلَّا يَقَعَ الِاغْتِرَارُ بِمُجَرَّدِ الْمُوَافَقَةِ قَوْلًا، وَأَيْضًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُحْسِنَ الْمُتَّبِعُ لَهُمْ الْقَوْلَ فِيهِمْ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِمْ، اشْتَرَطَ اللَّهُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِأَنْ سَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَنَالُونَ مِنْهُمْ.
وَهَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] وَأَمَّا تَخْصِيصُ اتِّبَاعِهِمْ بِأُصُولِ الدِّينِ دُونَ فُرُوعِهِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ عَامٌّ، وَلِأَنَّ مَنْ اتَّبَعَهُمْ فِي أُصُولِ الدِّينِ فَقَطْ لَوْ كَانَ مُتَّبِعًا لَهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَكُنَّا مُتَّبِعِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ اتِّبَاعِ السَّابِقِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ " فُلَانٌ يَتَّبِعُ فُلَانًا، وَاتَّبِعْ فُلَانًا، وَأَنَا مُتَّبِعٌ فُلَانًا "، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ وَلَا حَالِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اتِّبَاعَهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا الِاتِّبَاعُ؛ لِأَنَّ مَنْ اتَّبَعَهُ فِي حَالٍ وَخَالَفَهُ فِي أُخْرَى لَمْ يَكُنْ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مُتَّبِعٌ أَوْلَى مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ؛ وَلِأَنَّ الرِّضْوَانَ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِاتِّبَاعِهِمْ، فَيَكُونُ الِاتِّبَاعُ سَبَبًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِمَا هُوَ مُشْتَقٌّ يَقْتَضِي أَنَّ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ سَبَبٌ، وَإِذَا كَانَ اتِّبَاعُهُمْ سَبَبًا لِلرِّضْوَانِ اقْتَضَى الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِلِاتِّبَاعِ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ، وَلِأَنَّ الِاتِّبَاعَ يُؤْذِنُ بِكَوْنِ الْإِنْسَانِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَفَرْعًا عَلَيْهِ، وَأُصُولُ الدِّينِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَلِأَنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتْ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ وَجَعْلَهُمْ أَئِمَّةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا اتِّبَاعَهُمْ فِي أُصُولِ الدِّينِ دُونَ الشَّرَائِعِ لَمْ يَكُونُوا أَئِمَّةً فِي ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اتِّبَاعِهِمْ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست