responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 286
أَحْوَالِ الْمَوْتِ وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ فِي الْبَرْزَخِ وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ مَا لَمْ يُعَرِّفْ بِهِ نَبِيٌّ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ فِرَقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ مَا لَيْسَ لِمَنْ عَرَفَهُ حَاجَةٌ مِنْ بَعْدِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا إلَى مَنْ يُبَلِّغُهُ إيَّاهُ وَيُبَيِّنُهُ وَيُوَضِّحُ مِنْهُ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَايِدِ الْحُرُوبِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَطُرُقِ النَّصْرِ وَالظُّفْرِ مَا لَوْ عَلِمُوهُ وَعَقَلُوهُ وَرَعَوْهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ لَمْ يَقُمْ لَهُمْ عَدُوٌّ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَايِدِ إبْلِيسَ وَطُرُقِهِ الَّتِي يَأْتِيهِمْ مِنْهَا وَمَا يَتَحَرَّزُونَ بِهِ مِنْ كَيْدِهِ وَمَكْرِهِ وَمَا يَدْفَعُونَ بِهِ شَرَّهُ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحْوَالِ نُفُوسِهِمْ وَأَوْصَافِهَا وَدَسَائِسِهَا وَكَمَائِنِهَا مَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ مَعَهُ إلَى سِوَاهُ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أُمُورِ مَعَايِشِهِمْ مَا لَوْ عَلِمُوهُ وَعَمِلُوهُ لَاسْتَقَامَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ أَعْظَمَ اسْتِقَامَةٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَجَاءَهُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِرُمَّتِهِ، وَلَمْ يُحْوِجْهُمْ اللَّهُ إلَى أَحَدٍ سِوَاهُ، فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ شَرِيعَتَهُ الْكَامِلَةَ الَّتِي مَا طَرَقَ الْعَالَمَ شَرِيعَةٌ أَكْمَلُ مِنْهَا نَاقِصَةٌ تَحْتَاجُ إلَى سِيَاسَةٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا تُكَمِّلُهَا، أَوْ إلَى قِيَاسٍ أَوْ حَقِيقَةٍ أَوْ مَعْقُولٍ خَارِجٍ عَنْهَا؟ وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى رَسُولٍ آخَرَ بَعْدَهُ، وَسَبَبُ هَذَا كُلِّهِ خَفَاءُ مَا جَاءَ بِهِ عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ وَقِلَّةُ نَصِيبِهِ مِنْ الْفَهْمِ الَّذِي وَفَّقَ اللَّهُ لَهُ أَصْحَابَ نَبِيِّهِ الَّذِينَ اكْتَفَوْا بِمَا جَاءَ بِهِ، وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَمَّا مَا سِوَاهُ، وَفَتَحُوا بِهِ الْقُلُوبَ وَالْبِلَادَ، وَقَالُوا: هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إلَيْنَا، وَهُوَ عَهْدُنَا إلَيْكُمْ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْنَعُ مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَشْيَةَ أَنْ يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِهِ عَنْ الْقُرْآنِ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى اشْتِغَالَ النَّاسِ بِآرَائِهِمْ وَزَبَدِ أَفْكَارِهِمْ وَزُبَالَةِ أَذْهَانِهِمْ عَنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ؟ فَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] وَكَيْفَ يَشْفِي مَا فِي الصُّدُورِ كِتَابٌ لَا يَفِي هُوَ وَمَا تُبَيِّنُهُ السُّنَّةُ بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ؟ أَمْ كَيْفَ يَشْفِي مَا فِي الصُّدُورِ كِتَابُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْيَقِينُ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ؟ أَوْ عَامَّتُهَا ظَوَاهِرُ لَفْظِيَّةٍ دَلَالَتُهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى انْتِفَاءِ عَشَرَةِ أُمُورٍ لَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهَا، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ قَبْلَ وَضْعِ هَذِهِ الْقَوَانِينِ الَّتِي أَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ، وَقَبْلَ اسْتِخْرَاجِ هَذِهِ الْآرَاءِ وَالْمَقَايِيسِ وَالْأَوْضَاعِ؟ أَهَلْ كَانُوا مُهْتَدِينَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست