responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 159
[دَلَالَةُ الْعَالِمِ لِلْمُسْتَفْتِي عَلَى غَيْرِهِ]
ِ] الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي دَلَالَةِ الْعَالِمِ لِلْمُسْتَفْتِي عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ خَطَرٍ جِدًّا، فَلْيَنْظُرْ الرَّجُلُ مَا يَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَسَبِّبٌ بِدَلَالَتِهِ إمَّا إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَحْكَامِهِ أَوْ الْقَوْلِ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ، فَهُوَ مُعِينٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِمَّا مُعِينٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ إلَى مَنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ فَكَانَ شَيْخُنَا - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - شَدِيدَ التَّجَنُّبِ لِذَلِكَ، وَدَلَّلْتُ مَرَّةً بِحَضْرَتِهِ عَلَى مُفْتٍ أَوْ مَذْهَبٍ، فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهُ؟ دَعْهُ، فَفَهِمْتُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّكَ لَتَبُوءُ بِمَا عَسَاهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْإِثْمِ وَلِمَنْ أَفْتَاهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا مَنْصُوصَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
قَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَسَائِلِهِ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَأَدُلُّهُ عَلَى إنْسَانٍ يَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ - يَعْنِي الَّذِي أَرْشَدْتَهُ إلَيْهِ - مُتَّبِعًا وَيُفْتِي بِالسُّنَّةِ، فَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّهُ يُرِيدُ الِاتِّبَاعَ وَلَيْسَ كُلُّ قَوْلِهِ يُصِيبُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يُصِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ قُلْتُ لَهُ: فَرَأْيُ مَالِكٍ، فَقَالَ: لَا تَتَقَلَّدْ فِي مِثْلِ هَذَا بِشَيْءٍ، قُلْتُ: وَأَحْمَدُ كَانَ يَدُلُّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى إِسْحَاقَ وَلَا خِلَافَ عَنْهُ فِي اسْتِفْتَاءِ هَؤُلَاءِ، وَلَا خِلَافَ عَنْهُ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِي أَهْلَ الرَّأْيِ الْمُخَالِفُونَ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَلَا سِيَّمَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْفَتْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ رَأَى رَجُلٌ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ اسْتَفْتَى مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ: وَلِبَعْضِ مَنْ يُفْتِي هَهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَى رَبِيعَةُ زَمَانَنَا، وَإِقْدَامُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ عَلَى الْفُتْيَا، وَتَوَثُّبَهُ عَلَيْهَا، وَمَدَّ بَاعِ التَّكَلُّفِ إلَيْهَا، وَتَسَلُّقَهُ بِالْجَهْلِ وَالْجُرْأَةَ عَلَيْهَا مَعَ قِلَّةِ الْخِبْرَةِ وَسُوءِ السِّيرَةِ وَشُؤْمِ السَّرِيرَةِ، وَهُوَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ مُنْكَرٌ أَوْ غَرِيبٌ، فَلَيْسَ لَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ السَّلَفِ نَصِيبٌ، وَلَا يُبْدِي جَوَابًا بِإِحْسَانٍ، وَإِنْ سَاعَدَ الْقَدْرُ فَتْوَاهُ كَذَلِكَ يَقُولُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ.
يَمُدُّونَ لِلْإِفْتَاءِ بَاعًا قَصِيرَةً وَأَكْثَرُهُمْ عِنْدَ الْفَتَاوَى يُكَذْلِكُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ نَصِيبُهُمْ مِثْلُ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا مُفْتٍ قَلِيلُ الْبِضَاعَةِ، فَكَانَ لَا يُفْتِي حَتَّى يَتَقَدَّمَهُ مَنْ يَكْتُبُ الْجَوَابَ فَيَكْتُبُ تَحْتَهُ: جَوَابِي مِثْلُ جَوَابِ الشَّيْخِ، فَقُدِّرَ أَنْ اخْتَلَفَ مُفْتِيَانِ فِي جَوَابٍ، فَكَتَبَ تَحْتَهُمَا: جَوَابِي مِثْلُ جَوَابِ الشَّيْخَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمَا قَدْ تَنَاقَضَا، فَقَالَ: وَأَنَا أَيْضًا تَنَاقَضْتُ كَمَا تَنَاقَضَا، وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لِكُلِّ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 159
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست