responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 130
{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] ، وَأَمَّا إقْسَامُهُ بِمَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي هِيَ آيَاتٌ دَالَّةٌ عَلَيْهِ فَكَثِيرٌ جِدًّا.

[مِنْ أَدَبِ الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِلَفْظِ النُّصُوصِ] الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:
يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِلَفْظِ النَّصِّ مَهْمَا أَمْكَنَهُ؛ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ وَالدَّلِيلَ مَعَ الْبَيَانِ التَّامِّ، فَهُوَ حُكْمٌ مَضْمُونٌ لَهُ الصَّوَابُ، مُتَضَمِّنٌ لِلدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي أَحْسَنِ بَيَانٍ، وَقَوْلُ الْفَقِيهِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَالْأَئِمَّةُ الَّذِينَ سَلَكُوا عَلَى مِنْهَاجِهِمْ يَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ غَايَةَ التَّحَرِّي، حَتَّى خَلَفَتْ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ رَغِبُوا عَنْ النُّصُوصِ، وَاشْتَقُّوا لَهُمْ أَلْفَاظًا غَيْرَ أَلْفَاظِ النُّصُوصِ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ هَجْرَ النُّصُوصِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لَا تَفِي بِمَا تَفِي بِهِ النُّصُوصُ مِنْ الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ وَحُسْنِ الْبَيَانِ، فَتَوَلَّدَ مِنْ هِجْرَانِ أَلْفَاظِ النُّصُوصِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْحَادِثَةِ وَتَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِهَا عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ.
فَأَلْفَاظُ النُّصُوصِ عِصْمَةٌ وَحُجَّةٌ بَرِيئَةٌ مِنْ الْخَطَأِ وَالتَّنَاقُضِ وَالتَّعْقِيدِ وَالِاضْطِرَابِ، وَلَمَّا كَانَتْ هِيَ عِصْمَةَ عُهْدَةِ الصَّحَابَةِ وَأُصُولِهِمْ الَّتِي إلَيْهَا يَرْجِعُونَ كَانَتْ عُلُومُهُمْ أَصَحَّ مِنْ عُلُومِ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَخَطَؤُهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَطَأِ مَنْ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ التَّابِعُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَلَمَّا اسْتَحْكَمَ هِجْرَانُ النُّصُوصِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ كَانَتْ عُلُومُهُمْ فِي مَسَائِلِهِمْ وَأَدِلَّتِهِمْ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ وَالتَّنَاقُضِ.
وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سُئِلُوا عَنْ مَسْأَلَةٍ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ كَذَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، أَوْ فَعَلَ [رَسُولُ] اللَّهِ كَذَا، وَلَا يَعْدِلُونَ عَنْ ذَلِكَ مَا وَجَدُوا إلَيْهِ سَبِيلًا قَطُّ، فَمَنْ تَأَمَّلَ أَجْوِبَتَهُمْ وَجَدَهَا شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، فَلَمَّا طَالَ الْعَهْدُ وَبَعُدَ النَّاسُ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ صَارَ هَذَا عَيْبًا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَذْكُرُوا فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَفُرُوعِهِ قَالَ اللَّهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ.
أَمَّا أُصُولُ دِينِهِمْ فَصَرَّحُوا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ فِي مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِكَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهَا الْحَشَوِيَّةُ وَالْمُجَسِّمَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ، وَأَمَّا فُرُوعُهُمْ فَقَنَعُوا بِتَقْلِيدِ مَنْ اخْتَصَرَ لَهُمْ بَعْضَ الْمُخْتَصَرَاتِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِيهَا نَصٌّ عَنْ اللَّهِ وَلَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ الْإِمَامِ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُمْ قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ، بَلْ عُمْدَتُهُمْ فِيمَا يُفْتُونَ وَيَقْضُونَ بِهِ وَيَنْقُلُونَ بِهِ الْحُقُوقَ وَيُبِيحُونَ بِهِ الْفُرُوجَ وَالدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ الْمُصَنَّفِ، وَأَجَلُّهُمْ عِنْدَ نَفْسِهِ وَزَعِيمُهُمْ عِنْدَ بَنِي جِنْسِهِ مَنْ يَسْتَحْضِرُ لَفْظَ الْكِتَابِ، وَيَقُولُ: هَكَذَا قَالَ، وَهَذَا لَفْظُهُ؛ فَالْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالْوَاجِبُ مَا أَوْجَبَهُ، وَالْبَاطِلُ مَا أَبْطَلَهُ، وَالصَّحِيحُ مَا صَحَّحَهُ.
هَذَا، وَأَنَّى لَنَا بِهَؤُلَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَزْمَانِ، فَقَدْ دُفِعْنَا إلَى أَمْرٍ تَضِجُّ مِنْهُ الْحُقُوقُ إلَى اللَّهِ ضَجِيجًا، وَتَعِجُّ مِنْهُ الْفُرُوجُ وَالْأَمْوَالُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست