responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 80
{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182] فَرَفَعَ الْإِثْمَ عَمَّنْ أَبْطَلَ الْجَنَفَ وَالْإِثْمَ مِنْ وَصِيَّةِ الْمُوصِي، وَلَمْ يَجْعَلْهَا بِمَنْزِلَةِ نَصِّ الشَّارِعِ الَّذِي تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ.

[شُرُوطُ الْوَاقِفِينَ]
وَكَذَلِكَ الْإِثْمُ مَرْفُوعٌ عَمَّنْ أَبْطَلَ مِنْ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ مَا لَمْ يَكُنْ إصْلَاحًا، وَمَا كَانَ فِيهِ جَنَفٌ أَوْ إثْمٌ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الشَّرْطَ الْبَاطِلَ الْمُخَالِفَ لِكِتَابِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ نَصِّ الشَّارِعِ، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، بَلْ قَدْ قَالَ إمَامُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» فَإِنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً، وَلِلْمُكَلَّفِ مَصْلَحَةً، وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ لَا حُرْمَةَ لَهُ كَشَرْطِ التَّعَزُّبِ وَالتَّرَهُّبِ الْمُضَادِّ لِشَرْعِ اللَّهِ وَدِينِهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى فَتَحَ لِلْأُمَّةِ بَابَ النِّكَاحِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَسَدَّ عَنْهُمْ بَابَ السِّفَاحِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَهَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ لِذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَسُدُّ عَلَى مَنْ الْتَزَمَهُ بَابَ النِّكَاحِ، وَيَفْتَحُ لَهُ بَابَ الْفُجُورِ، فَإِنَّ لَوَازِمَ الْبَشَرِيَّةِ تَتَقَاضَاهَا الطِّبَاعُ أَتَمَّ تَقَاضٍ، فَإِذَا سَدَّ عَنْهَا مَشْرُوعَهَا فَتَحَتْ لَهُ مَمْنُوعَهَا وَلَا بُدَّ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ الْإِثْمَ عَمَّنْ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ الْجَانِفَةَ الْآثِمَةَ، وَكَذَلِكَ هُوَ مَرْفُوعٌ عَمَّنْ أَبْطَلَ شُرُوطَ الْوَاقِفِينَ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ، فَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْقَبْرِ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى وَأَحَبَّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفَعَ لِلْمَيِّتِ، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْأَحَبِّ إلَى اللَّهِ، الْأَنْفَعِ لِعَبْدِهِ وَاعْتِبَارُ ضِدِّهِ، وَقَدْ رَامَ بَعْضُهُمْ الِانْفِصَالَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَصْدُ الْوَاقِفِ حُصُولَ الْأَجْرِ لَهُ بِاسْتِمَاعِهِ لِلْقُرْآنِ فِي قَبْرِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ ثَوَابَ الِاسْتِمَاعِ مَشْرُوطٌ بِالْحَيَاةِ فَإِنَّهُ عَمَلٌ اخْتِيَارِيٌّ وَقَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ عَلَى قَبْرِهِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ لَا يَجِبُ بَلْ لَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ، وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ عَلَى قَبْرِهِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكَيْفَ يُفْتِي أَوْ يَقْضِي بِتَعْطِيلِ الْأَحَبِّ إلَى اللَّهِ وَالْقِيَامِ بِالْأَكْرَهِ إلَيْهِ اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْجَانِفِ الْآثِمِ؟ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ إيقَادَ قِنْدِيلٍ عَلَى قَبْرِهِ أَوْ بِنَاءَ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ تَنْفِيذُ هَذَا الشَّرْطِ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ، فَكَيْفَ يَنْقُلُهُ شَرْطٌ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعِلَهُ؟ .

[أَنْوَاعُ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ وَحُكْمُهَا]
وَبِالْجُمْلَةِ فَشُرُوطُ الْوَاقِفِينَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: شُرُوطٌ مُحَرَّمَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَشُرُوطٌ مَكْرُوهَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشُرُوطٌ تَتَضَمَّنُ تَرْكَ مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشُرُوطٌ تَتَضَمَّنُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 80
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست