responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 81
فِعْلَ مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ؛ فَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَلَا اعْتِبَارَ، وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ هُوَ الشَّرْطُ الْمُتَّبَعُ الْوَاجِبُ الِاعْتِبَارَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ أَبْطَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الشُّرُوطَ كُلَّهَا بِقَوْلِهِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَمَا رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ اعْتِبَارُهُ وَلَا الْإِلْزَامُ بِهِ وَتَنْفِيذُهُ، وَمَنْ تَفَطَّنَ لِتَفَاصِيلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ تَخَلَّصَ بِهَا مِنْ آصَارٍ وَأَغْلَالٍ فِي الدُّنْيَا، وَإِثْمٍ وَعُقُوبَةٍ وَنَقْصِ ثَوَابٍ فِي الْآخِرَةِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَصْلٌ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ دُونَ الصُّورَةِ]
فَصْلٌ
[مِنْ فُرُوعِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ دُونَ الصُّورَةِ]
وَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» كَيْفَ حُرِّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْأَكْلُ مِمَّا صَادَهُ الْحَلَالُ إذَا كَانَ قَدْ صَادَهُ لِأَجْلِهِ؟ فَانْظُرْ كَيْفَ أَثَّرَ الْقَصْدُ فِي التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ ظَاهِرُ الْفِعْلِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْأَثَرُ الْمَرْفُوعُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ، وَمَنْ ادَّانَ دَيْنًا يَنْوِي أَنْ لَا يَقْضِيَهُ فَهُوَ سَارِقٌ» ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ فَجَعَلَ الْمُشْتَرِيَ وَالنَّاكِحَ إذَا قَصَدَا أَنْ لَا يُؤَدِّيَا الْعِوَضَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَحَلَّ الْفَرْجَ وَالْمَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَيَكُونُ كَالزَّانِي وَالسَّارِقِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ خَالَفَهُمَا فِي الصُّورَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إتْلَافَهَا أَتْلَفَهَا اللَّهُ» .
فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَضْعَافُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ تُغَيِّرُ أَحْكَامَ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا، وَأَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْضًا؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اقْتَرَضَ أَوْ نَكَحَ وَنَوَى أَنَّ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ لِمُوَلِّيهِ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَهُ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْعَاقِدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَمَلَّكَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ وَغَيْرِهَا وَنَوَاهُ لِمُوكِلِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ لَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، نَعَمْ لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ، فَافْتَقَرَ الْعَقْدُ إلَى تَعْيِينِهِ لِذَلِكَ، لَا أَنَّهُ مَعْقُودٌ لَهُ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِمَالِكَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عِنْدَ تَغَيُّرِ النِّيَّةِ ثَبَتَ أَنَّ لِلنِّيَّةِ تَأْثِيرًا فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ يَنْوِي التَّبَرُّعَ وَالْهِبَةَ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِيهِ النِّزَاعُ الْمَعْرُوفُ؛ فَصُورَةُ الْعَقْدِ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ مَالًا رِبَوِيًّا بِمِثْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 81
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست