responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 55
يَدَيْ اللَّهِ وَمَسْئُولٌ أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ يَجْهَلَ مَنْ يُفْتِي بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَسْعَى فِي قَتْلِهِ وَحَبْسِهِ وَيَلْبِسُ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةُ إجْمَاعٍ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؟ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَعِبَادُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُرَدَّ بِغَيْرِ الشَّكَاوَى إلَى الْمُلُوكِ، وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ الْكَاذِبِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَهُوَ عِنْدَ كُلِّ لِسَانٍ قَائِلٍ: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105] .

[فَصْلٌ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَالْأَلْفَاظِ فِي الطَّلَاقِ]
فَصْلٌ [لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْأَلْفَاظِ]
وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْأَلْفَاظِ، وَأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِهَا أَحْكَامُهَا حَتَّى يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا قَاصِدًا لَهَا مُرِيدًا لِمُوجِبَاتِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِلتَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ مُرِيدًا لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَتَيْنِ: إرَادَةِ التَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ اخْتِيَارًا، وَإِرَادَةِ مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، بَلْ إرَادَةُ الْمَعْنَى آكَدُ مِنْ إرَادَةِ اللَّفْظِ؛ فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ وَاللَّفْظُ وَسِيلَةٌ، هُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِيمَنْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ " وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ؛ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ " أَنْتِ حُرَّةٌ " لَمْ تَكُنْ بِذَلِكَ حُرَّةً.

، وَقَالَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ لَوْ قَالَ الْأَعْجَمِيُّ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا يَفْهَمُ مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَارًا لِلطَّلَاقِ، فَلَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ كَالْمُكْرَهِ، قَالُوا: فَلَوْ نَوَى مُوجِبَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَقَعْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ اخْتِيَارُ مَا لَا يَعْلَمُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا لَمْ يَكْفُرْ، وَفِي مُصَنَّفِ وَكِيعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا سَمِّنِي فَسَمَّاهَا الطَّيِّبَةَ، فَقَالَتْ: لَا، فَقَالَ لَهَا: مَا تُرِيدِينَ أَنْ أُسَمِّيَك؟ قَالَتْ: سَمِّنِي خَلِيَّةَ طَالِقٍ فَقَالَ لَهَا: فَأَنْتِ خَلِيَّةُ طَالِقٍ فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي، فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا، وَقَالَ لِزَوْجِهَا خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الْحَيُّ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الْقُلُوبِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَإِنْ تَلَفَّظَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي قَالَ لَمَّا وَجَدَ رَاحِلَتَهُ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك " أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ؛ لَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ وَإِنْ أَتَى بِصَرِيحِ الْكُفْرِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُرِدْهُ، وَالْمُكْرَهُ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَتَى بِصَرِيحِ كَلِمَتِهِ وَلَمْ يَكْفُرْ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَهْزِئِ وَالْهَازِلِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 55
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست