responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 4
نَفْسِهِ مُتَنَاوِلٌ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الشَّارِعُ مِنْ الْعِوَضِ بِالدَّرِّ وَالظَّهْرِ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْآبَاءِ إيتَاءَ الْمَرَاضِعِ أَجْرَهُنَّ بِمُجَرَّدِ الْإِرْضَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدُوا مَعَهُنَّ عَقْدَ إجَارَةٍ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] .
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يُنْتَقَضُ عَلَيْكُمْ بِمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ دَارًا فَخَرِبَ بَعْضُهَا فَعَمَرَهَا لِيَحْفَظَ الرَّهْنَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السُّكْنَى عِنْدَكُمْ بِهَذِهِ الْعِمَارَةِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا.
قِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُحْتَسَبُ لَهُ بِمَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحُ الرَّهْنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَرْبٍ الْجُرْجَانِيِّ فِي رَجُلٍ عَمِلَ فِي قَنَاةِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْمَاءَ، لِهَذَا الَّذِي عَمِلَ أَجْرٌ فِي نَفَقَتِهِ إذَا عَمِلَ مَا يَكُونُ مَنْفَعَةً لِصَاحِبِ الْقَنَاةِ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالدَّارِ ظَاهِرٌ؛ لِحَاجَةِ الْحَيَوَانِ إلَى الْإِنْفَاقِ وَوُجُوبِهِ عَلَى مَالِكِهِ، بِخِلَافِ عِمَارَةِ الدَّارِ، فَإِنْ صَحَّ الْفَرْقُ بَطَلَ السُّؤَالُ، وَإِنْ بَطَلَ الْفَرْقُ ثَبَتَ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحُكْمِ.
فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِلْأُصُولِ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبًا بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ لَهُ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ عِوَضُهُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ نَظِيرُ مَا أَدَّاهُ، فَأَمَّا أَنْ يُعَارِضَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا أَدَّاهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَأُصُولُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ.
قِيلَ: هَذَا هُوَ الَّذِي رُدَّتْ بِهِ هَذِهِ السُّنَّةُ، وَلِأَجْلِهِ تَأَوَّلَهَا مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَالِكِ فَإِنَّهُ الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ، وَجَعَلَ الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ وَغَيْرِهِ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ مَا فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ.
فَأَمَّا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ فَقَدْ دَلَّ فِي فَسَادِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَآثَارُ الصَّحَابَةِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَمَصَالِحُ الْعِبَادِ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ، وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُجُورُهُنَّ الْمُسَمَّاةُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَهُمْ بِوَفَائِهَا، لَا أَمْرٌ لَهُمْ بِإِيتَاءِ مَا لَمْ يُسَمُّوهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَهَذَا التَّعَاسُرُ إنَّمَا يَكُونُ حَالَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ طَلَبِهَا الشَّطَطَ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ حَطِّهَا عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ التَّسْمِيَةِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِدَلَالَةٍ مِنْ الدَّلَالَات الثَّلَاثِ، أَمَّا اللَّفْظِيَّتَانِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا اللُّزُومِيَّةُ فَلِانْفِكَاكِ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ وَبَيْنَ تَقَدُّمِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 4
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست