responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 307
وَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَنْفَعُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَتَى رَدَّهُ فَهُوَ حُرٌّ أَمْ لَا يَنْفَعُهُ وَإِذَا خَافَ تَوْكِيلَهُ فِي الرَّدِّ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: " مَتَى رَدَدْته أَوْ وَكَّلْت فِي رَدِّهِ " فَإِنْ خَافَ مِنْ رَدِّ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَرُدُّهُ بِالشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي هُوَ الرَّادُّ وَلَا وَكِيلُهُ بَلْ الْحَاكِمُ الْمُنَفِّذُ لِلشَّرْعِ فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: " إذَا ادَّعَيْت رَدَّهُ فَهُوَ حُرٌّ " فَهُنَا تَصْعُبُ الْحِيلَةُ عَلَى الرَّدِّ، إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ مَتَى قُصِدَ بِهِ الْحَضُّ أَوْ الْمَنْعُ فَهُوَ يَمِينٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ، وَحُكْمُ مَا لَوْ قَالَ: " إنْ رَدَدْته فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ " بَلْ أَوْلَى بِعَدَمِ الْعِتْقِ، فَإِنَّ هَذَا نَذْرُ قُرْبَةٍ، وَلَكِنَّ إخْرَاجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ مَنَعَ لُزُومَ الْوَفَاءِ بِهِ، مَعَ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الِالْتِزَامِ بِقَوْلِهِ: " فَهُوَ حُرٌّ " فَكُلُّ مَا فِي الْتِزَامِ قَوْلِهِ: " فَهُوَ حُرٌّ " فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْتِزَامِ: " فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ " وَلَا يَنْعَكِسُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ " يَتَضَمَّنُ وُجُوبَ الْإِعْتَاقِ وَفِعْلَ الْعِتْقِ وَوُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ.
فَإِذَا مَنَعَ قَصْدُ الْحَضُّ أَوْ الْمَنْعِ وُقُوعَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَلَأَنْ يَمْنَعَ وُقُوعَ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، وَهَذَا لَا جَوَابَ عَنْهُ، وَهُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ فَضْلَ فِقْهِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّ بَيْنَ فِقْهِهِمْ وَفِقْهِ مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ لَكَانَ هَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأُصُولِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا لَا تَخْفَى عَلَى مُتَبَحِّرٍ تَتَبُّعُهَا، وَيَكْفِي قَوْلُ فَقِيهِ الْأُمَّةِ وَحَبْرِهَا وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " الْعِتْقُ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَالطَّلَاقُ مَا كَانَ عَنْ وَطَرٍ " فَتَأَمَّلْ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ الشَّرِيفَتَيْنِ الصَّادِرَتَيْنِ عَنْ عِلْمٍ قَدْ رَسَخَ أَسْفَلُهُ وَبَسَقَ أَعْلَاهُ وَأَيْنَعَتْ ثَمَرَتُهُ وَذُلِّلَتْ لِلطَّالِبِ قُطُوفُهُ ثُمَّ اُحْكُمْ بِالْكَلِمَتَيْنِ عَلَى أَيْمَانِ الْحَالِفِينَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، هَلْ تَجِدُ الْحَالِفَ بِهَذَا مِمَّنْ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبَ إلَيْهِ بِإِعْتَاقِ هَذَا الْعَبْدِ؟ وَهَلْ تَجِدُ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ مِمَّنْ لَهُ وَطَرٌ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ؟ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ حَبْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَقَدْ شَفَتْ كَلِمَتَاهُ هَاتَانِ الصُّدُورَ، وَطَبَّقَتَا الْمُفَصَّلَ، وَأَصَابَتَا الْمَحَزَّ، وَكَانَتْ بُرْهَانًا عَلَى اسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ التَّأْوِيلَ وَيُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ.
وَلَا يُوحِشَنَّكَ مَنْ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ، فَإِذَا ظَفِرْت بِرَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ طَالِبٍ لِلدَّلِيلِ مُحَكِّمٍ لَهُ مُتَّبِعٍ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَأَيْنَ كَانَ وَمَعَ مَنْ كَانَ زَالَتْ الْوَحْشَةُ وَحَصَلَتْ الْأُلْفَةُ، وَلَوْ خَالَفَك فَإِنَّهُ يُخَالِفُك وَيَعْذِرُك، وَالْجَاهِلُ الظَّالِمُ يُخَالِفُك بِلَا حُجَّةٍ وَيُكَفِّرُك أَوْ يُبَدِّعُك بِلَا حُجَّةٍ، وَذَنْبُك رَغْبَتُك عَنْ طَرِيقَتِهِ الْوَخِيمَةِ، وَسِيرَتِهِ الذَّمِيمَةِ، فَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ هَذَا الضَّرْبِ، فَإِنَّ الْآلَافَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنْهُمْ لَا يُعْدَلُونَ بِشَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُعْدَلُ بِمِلْءِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 307
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست