responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 219
عَلَيْهَا، وَلَا كَانَ يُشِيرُ عَلَى مُسْلِمٍ بِهَا.
وَأَكْثَرُ الْحِيَلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى مَذْهَبِهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ، تَلَقَّوْهَا عَنْ الْمَشْرِقِيِّينَ، وَأَدْخَلُوهَا فِي مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجْرِي الْعُقُودَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى قَصْدِ الْعَاقِدِ وَنِيَّتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ كَلَامِهِ، فَحَاشَاهُ ثُمَّ حَاشَاهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْكَذِبِ وَالْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ وَالِاحْتِيَالِ وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ مَا يَتَيَقَّنُ أَنَّ بَاطِنَهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ، وَلَا يُظَنُّ بِمَنْ دُونَ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَنَّهُ يَأْمُرُ أَوْ يُبِيحُ ذَلِكَ؛ فَالْفَرْقُ [ظَاهِرٌ] بَيْنَ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الْقَصْدَ فِي الْعَقْدِ وَيُجْرِيَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَوِّغَ عَقْدًا قَدْ عُلِمَ بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ بَاطِنَهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ.
فَوَاَللَّهِ مَا سَوَّغَ الشَّافِعِيُّ وَلَا إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ هَذَا الْعَقْدَ قَطُّ، وَمَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَهُمْ خُصَمَاؤُهُ عِنْدَ اللَّهِ؛ فَاَلَّذِي سَوَّغَهُ الْأَئِمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ يُجْرِي الْأَحْكَامَ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَإِنْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ شُهُودَ زُورٍ، وَاَلَّذِي سَوَّغَهُ أَصْحَابُ الْحِيَلِ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ شُهُودُ زُورٍ كَذَبَةٌ وَأَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِظَاهِرِ عَدَالَتِهِمْ.
وَهَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَيْنَةِ: إنَّمَا جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ جَرْيًا عَلَى ظَاهِرِ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ وَسَلَامَتِهَا مِنْ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ، وَلَوْ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: " إنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَدْ تَوَاطَآ عَلَى أَلْفٍ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، وَتَرَاوَضَا عَلَى ذَلِكَ، وَجَعَلَا السِّلْعَةَ مُحَلَّلًا لِلرِّبَا " لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ، وَلَأَنْكَرَهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ.
وَلَقَدْ كَانَ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يُحْكَى عَنْهُ الْإِفْتَاءُ بِالْحِيَلِ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ الْآجُرِّيَّ وَأَنَا وَهُوَ بِمَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ عَنْ هَذَا الْخُلْعِ الَّذِي يُفْتِي بِهِ النَّاسَ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: اخْلَعْ زَوْجَتَكَ وَافْعَلْ مَا حَلَفْتَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَاجِعْهَا، وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا، وَقُلْتُ لَهُ: إنَّ قَوْمًا يُفْتُونَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يُحِلُّ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَيَحْنَثُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَذْكُرُونَ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَرَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ شَيْئًا، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَعْجَبُ مِنْ سُؤَالِي عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: مُنْذُ كَتَبْتُ الْعِلْمَ وَجَلَسْتُ لِلْكَلَامِ فِيهِ وَلِلْفَتْوَى مَا أَفْتَيْتُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِحَرْفٍ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا سَأَلْتَنِي عَنْ التَّعَجُّبِ مِمَّنْ يُقْدِمُ عَلَى الْفَتْوَى فِيهِمَا، فَأَجَابَنِي فِيهِمَا بِجَوَابٍ كَتَبْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ فَأَخْرَجَ لِي كِتَابَ أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ وَالنُّشُوزِ مِنْ كِتَابِ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا مَكْتُوبٌ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَقُلْتُ لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ يُفْتُونَ فِيهَا بِالْخُلْعِ، يُخَالِعُ ثُمَّ يَفْعَلُ، فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا بَلَغَنِي أَنَّ لَهُ فِي هَذَا قَوْلًا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 219
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست