responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 173
أَيْ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ فِي دِينِ مَلِكِ مِصْرَ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي دِينِهِ طَرِيقٌ لَهُ إلَى أَخْذِهِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: 76] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنْ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَخَذَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ، أَوْ يَكُونَ مُتَّصِلًا عَلَى بَابِهِ، أَيْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فَيُهَيِّئُ لَهُ سَبَبًا يُؤْخَذُ بِهِ فِي دِينِ الْمَلِكِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَ الرَّجُلُ يُعْتَقَلُ بِهَا، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْكَيْدِ فِعْلًا مِنْ اللَّهِ - بِأَنْ يُيَسِّرَ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الْمَظْلُومِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ أُمُورًا يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُهُ مِنْ الِانْتِقَامِ مِنْ الظَّالِمِ - كَانَ هَذَا خَارِجًا عَنْ الْحِيَلِ الْفِقْهِيَّةِ؛ فَإِنَّ كَلَامَنَا فِي الْحِيَلِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْعَبْدُ، لَا فِيمَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى، بِمَا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ.
تَنْبِيهٌ عَلَى بُطْلَانِ الْحِيَلِ وَأَنَّ مَنْ كَادَ كَيْدًا مُحَرَّمًا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَكِيدُهُ وَيُعَامِلُهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَبِمِثْلِ عَمَلِهِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي أَرْبَابِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ أَنَّهُ لَا يُبَارِكُ لَهُمْ فِيمَا نَالُوهُ بِهَذِهِ الْحِيَلِ، وَيُهَيِّئُ لَهُمْ كَيْدًا عَلَى يَدِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ يُجْزَوْنَ بِهِ مِنْ جِنْسِ كَيْدِهِمْ وَحِيَلِهِمْ.
[مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ يُوسُفَ]
وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُتَوَكِّلَ عَلَى اللَّهِ إذَا كَادَهُ الْخَلْقُ فَإِنَّ اللَّهَ يَكِيدُ لَهُ وَيَنْتَصِرُ لَهُ بِغَيْرِ حَوْلٍ مِنْهُ وَلَا قُوَّةٍ.
وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمَسْرُوقِ بِيَدِ السَّارِقِ كَافٍ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَغَايَةُ الْبَيِّنَةِ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهَا ظَنٌّ، وَأَمَّا وُجُودُ الْمَسْرُوقِ بِيَدِ السَّارِقِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ الْيَقِينُ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْحَبَلِ وَالرَّائِحَةِ فِي الْخَمْرِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَالِاحْتِجَاجُ بِقِصَّةِ يُوسُفَ عَلَى هَذَا أَحْسَنُ وَأَوْضَحُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى الْحِيَلِ.
وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ الْخَفِيَّ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ مِمَّا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَاتِ الْعَبْدِ؛ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 76] قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُ: بِالْعِلْمِ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ رَفْعِهِ دَرَجَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ يَشَاءُ بِعِلْمِ الْحُجَّةِ. وَقَالَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 76] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ يَشَاءُ بِالْعِلْمِ الْخَفِيِّ الَّذِي يَتَوَصَّلُ بِهِ صَاحِبُهُ إلَى الْمَقَاصِدِ الْمَحْمُودَةِ، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَرْفَعُ دَرَجَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست