responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 172
فَصْلٌ
[مَكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ضَرْبَيْنِ]
وَكَيْدُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْرُجُ عَنْ نَوْعَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَغْلَبُ: أَنْ يَفْعَلَ تَعَالَى فِعْلًا خَارِجًا عَنْ قُدْرَةِ الْعَبْدِ الَّذِي كَادَ لَهُ؛ فَيَكُونُ الْكَيْدُ قَدْرًا [زَائِدًا] مَحْضًا لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابٍ لَا يَسُوغُ، كَمَا كَادَ أَعْدَاءَ الرُّسُلِ بِانْتِقَامِهِ مِنْهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِصَّةُ يُوسُفَ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَنْ أَلْقَى الصُّوَاعَ، فِي رَحْلِ أَخِيهِ، وَأَنْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بِسَرِقَتِهِمْ، فَلَمَّا أَنْكَرُوا قَالَ: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف: 74] أَيْ جَزَاءُ السَّارِقِ أَوْ جَزَاءُ السَّرَقِ: {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75] أَيْ جَزَاؤُهُ نَفْسَ السَّارِقِ، يَسْتَعْبِدُهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا إلَى مُدَّةٍ، وَهَذِهِ كَانَتْ شَرِيعَةُ آلِ يَعْقُوبَ.
[إعْرَابُ جُمْلَةٍ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ]
ثُمَّ فِي إعْرَابِ هَذَا الْكَلَامِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} [يوسف: 75] جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ قَائِمَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، وَقَوْلُهُ: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75] جُمْلَةٌ ثَانِيَةٌ كَذَلِكَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى مُقَرِّرَةٌ لَهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى إخْبَارٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَسْرُوقِ لِرَقَبَةِ السَّارِقِ، وَالثَّانِيَةَ إخْبَارٌ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ فِي شَرْعِنَا وَحُكْمِنَا؛ فَالْأُولَى إخْبَارٌ عَنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ إخْبَارٌ عَنْ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ، وَإِنْ أَفَادَتْ الثَّانِيَةُ مَعْنَى الْحَصْرِ فَإِنَّهُ لَا جَزَاءَ لَهُ غَيْرُهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ {جَزَاؤُهُ} [يوسف: 74] الْأَوَّلَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ، وَالْمَعْنَى جَزَاءُ السَّارِقِ أَنَّ مَنْ وُجِدَ الْمَسْرُوقُ فِي رَحْلِهِ كَانَ هُوَ الْجَزَاءُ، كَمَا تَقُولُ: جَزَاءُ السَّرِقَةِ مَنْ سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ
وَجَزَاءُ الْأَعْمَالِ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَبِعَشْرٍ أَوْ سَيِّئَةً فَبِوَاحِدَةٍ، وَنَظَائِرُهُ.
قَالَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِنَّمَا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ ` لِأَنَّ الْجَزَاءَ قَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْحُكْمِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ فِعْلِ الْعُقُوبَةِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْأَلَمِ الْوَاصِلِ إلَى الْمُعَاقَبِ؛ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ إلْهَامَ اللَّهِ لَهُمْ هَذَا الْكَلَامَ كَيْدٌ كَادَهُ لِيُوسُفَ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِ؛ إذْ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَرَقَ؛ فَإِنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِهِ فِي رَحْلِهِ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ، وَقَدْ كَانَ يُوسُفُ عَادِلًا لَا يَأْخُذُهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالسُّرَّاقِ فِي دِينِكُمْ، وَقَدْ كَانَ فِي دِينِ مَلِكِ مِصْرَ - كَمَا قَالَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ - أَنْ يُضْرَبَ السَّارِقُ وَيُغَرَّمَ قِيمَةَ الْمَسْرُوقِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِمَا لَا يُلْزِمُ بِهِ غَيْرَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: 76]

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 172
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست