responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 169
عَلَى ظَنٍّ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَمْرِ يُوسُفَ لَهُمْ بِذَلِكَ، أَوْ لَعَلَّ يُوسُفَ قَدْ قَالَ لِلْمُنَادِي: هَؤُلَاءِ سَرَقُوا، وَعَنَى أَنَّهُمْ سَرَقُوهُ مِنْ أَبِيهِ، وَالْمُنَادِي فَهِمَ سَرِقَةَ الصُّوَاعِ فَصَدَقَ يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ، وَصَدَقَ الْمُنَادِي، وَتَأَمَّلْ حَذْفَ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] لِيَصِحَّ أَنْ يُضَمِّنَ سَرِقَتَهُمْ لِيُوسُفَ فَيَتِمُّ التَّعْرِيضُ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ صِدْقًا، وَذَكَرَ الْمَفْعُولَ فِي قَوْلِهِ: {نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يوسف: 72] وَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ، فَصَدَقَ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مَعًا تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا، وَتَأَمَّلْ قَوْلَ يُوسُفَ: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف: 79] وَلَمْ يَقُلْ إلَّا مَنْ سَرَقَ، وَهُوَ أَخْصَرُ لَفْظًا، تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ، فَإِنَّ الْأَخَ لَمْ يَكُنْ سَارِقًا بِوَجْهٍ، وَكَانَ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ حَقًّا؛ فَالْكَلَامُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَعَارِيضِ وَأَصْدَقِهَا.
وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ الْمَلَكَيْنِ لِدَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] إلَى قَوْلِهِ: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] أَيْ غَلَبَنِي فِي الْخِطَابِ، وَلَكِنَّ تَخْرِيجَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى الْمَعَارِيض لَا يَكَادُ يَتَأَتَّى، وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى ضَرْبِ الْمِثَالِ: أَيْ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ الْحُكْمُ بَيْنَنَا.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ الْمَلِكِ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ: " مِسْكِينٌ وَغَرِيبٌ وَعَابِرُ سَبِيلٍ، وَقَدْ تَقَطَّعَتْ بِي الْحِبَالُ، وَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ بِكَ، فَأَسْأَلُكَ بِاَلَّذِي أَعْطَاكَ هَذَا الْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بِهِ فِي سَفَرِي هَذَا " وَهَذَا لَيْسَ بِتَعْرِيضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْرِيحٌ عَلَى وَجْهِ ضَرْبِ الْمِثَالِ وَإِيهَامٌ أَنِّي أَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَمَا أَوْهَمَ الْمَلَكَانِ دَاوُد أَنَّهُمَا صَاحِبَا الْقِصَّةِ لِيَتِمَّ الِامْتِحَانُ.
وَلِهَذَا قَالَ نَصْرُ بْنُ حَاجِبٍ: سُئِلَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَعْتَذِرُ إلَى أَخِيهِ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي قَدْ فَعَلَهُ، وَيُحَرِّفُ الْقَوْلَ فِيهِ لِيُرْضِيَهُ، لَمْ يَأْثَمْ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ: «لَيْسَ بِكَاذِبٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ يَكْذِبُ فِيهِ» فَإِذَا أَصْلَحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِهِ مَرْضَاةَ اللَّهِ، وَكَرِهَ أَذَى الْمُؤْمِنِ، وَيَنْدَمُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَيَدْفَعُ شَرَّهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُرِيدُ بِالْكَذِبِ اتِّخَاذَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ وَلَا طَمَعًا فِي شَيْءٍ يُصِيبُ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُرَخَّصْ فِي ذَلِكَ، وَرَخَّصَ لَهُ إذَا كَرِهَ مَوْجِدَتَهُمْ وَخَافَ عَدَاوَتَهُمْ. قَالَ حُذَيْفَةُ: إنِّي أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ أُقْدِمَ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ.
قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ الْمَلَكَانِ: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] أَرَادَ مَعْنَى شَيْءٍ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 169
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست