responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 168
أُفَارِقُكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَدُسُّ صُوَاعِي.
هَذَا فِي رَحْلِكَ، ثُمَّ أُنَادِي عَلَيْكَ بِالسَّرِقَةِ لِيَتَهَيَّأَ لِي رَدُّكَ، قَالَ: فَافْعَلْ؛ وَعَلَى هَذَا فَهَذَا التَّصَرُّفُ إنَّمَا كَانَ بِإِذْنِ الْأَخِ وَرِضَاهُ.
وَمِثْلُ هَذَا النَّوْعِ مَا ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ لَمَّا هَمَّ قَوْمُهُ بِالرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّرَبُّصِ، وَكَانَ يَأْمُرُ ابْنَهُ إذَا رَعَى إبِلَ الصَّدَقَةِ أَنْ يَبْعُدَ، فَإِذَا جَاءَ خَاصَمَهُ بَيْنَ يَدَيْ قَوْمِهِ وَهَمَّ بِضَرْبِهِ، فَيَقُومُونَ فَيَشْفَعُونَ إلَيْهِ فِيهِ؛ وَيَأْمُرَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ أَنْ يَزْدَادَ بُعْدًا، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعُدَ بِهَا جِدًّا، وَجَعَلَ يَنْتَظِرُهُ بَعْدَمَا دَخَلَ اللَّيْلُ وَهُوَ يَلُومُ قَوْمَهُ عَلَى شَفَاعَتِهِمْ وَمَنْعِهِمْ إيَّاهُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَهُمْ يَعْتَذِرُونَ عَنْ ابْنِهِ، وَلَا يُنْكِرُونَ إبْطَاءَهُ، حَتَّى إذَا انْهَارَ اللَّيْلُ رَكِبَ فِي طَلَبِهِ فَلَحِقَهُ، وَاسْتَاقَ الْإِبِلَ حَتَّى قَدِمَ بِهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ فَكَانَتْ صَدَقَاتُ طَيِّئٍ مِمَّا اسْتَعَانَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ.
وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ عَدِيًّا قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى، أَعْرِفُكَ، أَسْلَمْتَ إذْ كَفَرُوا، وَوَفَيْتَ إذْ غَدَرُوا، وَأَقْبَلْتَ إذْ أَدْبَرُوا، وَعَرَفْتَ إذْ أَنْكَرُوا.
وَمِثْلُ هَذَا مَا أَذِنَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْوَفْدِ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ أَنْ يَقُولُوا، وَأَذِنَ لِلْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ عَامَ خَيْبَرَ أَنْ يَقُولَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الِاحْتِيَالِ الْمُبَاحِ؛ لِكَوْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ قَدْ أَذِنَ فِيهِ وَرَضِيَ بِهِ، وَالْأَمْرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَأَمْرٌ مُبَاحٌ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ} [يوسف: 71] {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] إلَى قَوْلِهِ: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف: 74] {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ - فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: 75 - 76] وَقَدْ ذَكَرُوا فِي تَسْمِيَتِهِمْ سَارِقِينَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَعَارِيضِ وَأَنَّ يُوسُفَ نَوَى بِذَلِكَ أَنَّهُمْ سَرَقُوهُ مِنْ أَبِيهِ حَيْثُ غَيَّبُوهُ عَنْهُ بِالْحِيلَةِ الَّتِي احْتَالُوا عَلَيْهِ، وَخَانُوهُ فِيهِ، وَالْخَائِنُ يُسَمَّى سَارِقًا، وَهُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْمَرْمُوزِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى خَوَنَةُ الدَّوَاوِينِ لُصُوصًا. الثَّانِي: أَنَّ الْمُنَادِيَ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ يُوسُفَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ: أَمَرَ يُوسُفُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلَ الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُوَكَّلِينَ وَقَدْ فَقَدُوهُ وَلَمْ يَدْرِ مَنْ أَخَذَهُ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70]

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 168
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست