responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 167
أَوَّلًا: هَلْ تُجَوِّزُونَ أَنْتُمْ مِثْلَ هَذَا حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً لَكُمْ؟ وَإِلَّا فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ بِمَا لَا تُجَوِّزُونَ فِعْلَهُ؟ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: فَقَدْ كَانَ جَائِزًا فِي شَرِيعَتِهِ، قُلْنَا: وَمَا يَنْفَعُكُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ جَائِزًا فِي شَرْعِنَا؟
قَالَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مِمَّا قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْحِيَلِ الَّتِي بَيَّنَّا تَحْرِيمَهَا وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا قِصَّةُ يُوسُفَ حِين كَادَ اللَّهُ لَهُ فِي أَخْذِ أَخِيهِ كَمَا قَصَّ ذَلِكَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، فَإِنَّ فِيهِ ضُرُوبًا مِنْ الْحِيَلِ الْحَسَنَةِ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ لِفِتْيَانِهِ: {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: 62] فَإِنَّهُ تَسَبَّبَ بِذَلِكَ إلَى رُجُوعِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَعَانِيَ:
مِنْهَا أَنَّهُ تَخَوَّفَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُمْ وَرِقٌ يَرْجِعُونَ بِهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَضُرَّ أَخْذُ الثَّمَنِ بِهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ رَأَى لَوْ مَا أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْهُمْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ أَرَاهُمْ كَرَمَهُ فِي رَدِّ الْبِضَاعَةِ لِيَكُونَ أَدْعَى لَهُمْ إلَى الْعَوْدِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَمَانَتَهُمْ تَحُوجُهُمْ إلَى الْعَوْدِ لِيَرُدُّوهَا إلَيْهِ؛ فَهَذَا الْمُحْتَالُ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَالْمَقْصُودُ رُجُوعُهُمْ وَمَجِيءُ أَخِيهِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمْ وَلِأَبِيهِمْ وَلَهُ، وَهُوَ مَقْصُودٌ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ لِأَسْبَابٍ أُخَرَ فِيهَا أَيْضًا مَنْفَعَةٌ لَهُمْ وَلَهُ وَلِأَبِيهِمْ وَتَمَامٌ لِمَا أَرَادَهُ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ فِي الْبَلَاءِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لِمَا جَهَّزَهُمْ بِجِهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ تَضَمَّنَ إيهَامَ أَنَّ أَخَاهُ سَارِقٌ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا كَانَ بِمُوَاطَأَةٍ مِنْ أَخِيهِ وَرِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ، وَالْحَقُّ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يوسف: 69] وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَرَّفَهُ أَنَّهُ يُوسُفُ وَوَطَّنَهُ عَلَى عَدَمِ الِابْتِئَاسِ بِالْحِيلَةِ الَّتِي فَعَلَهَا فِي أَخْذِهِ مِنْهُمْ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِأَنَّهُ يُوسُفُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إنِّي مَكَانَ أَخِيكَ الْمَفْقُودَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا يُعَامِلُكَ بِهِ إخْوَتُكَ مِنْ الْجَفَاءِ.
وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إنَّهُ وَضَعَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ وَالْأَخُ لَا يَشْعُرُ، وَلَكِنْ هَذَا خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ الْقُرْآنِ وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَفِيهِ تَرْوِيعٌ لِمَنْ لَمْ يَسْتَوْجِبْ التَّرْوِيعَ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ كَعْبٌ وَغَيْرُهُ: لَمَّا قَالَ لَهُ إنِّي أَنَا أَخُوكَ، قَالَ: فَأَنَا لَا أُفَارِقُكَ.
قَالَ يُوسُفُ: فَقَدْ عَلِمْتَ اغْتِمَامَ وَالِدِي بِي، فَإِذَا حَبَسْتُكَ ازْدَادَ غَمُّهُ، وَلَا يُمْكِنُنِي هَذَا إلَّا بَعْدَ أَنْ أُشْهِرُكَ بِأَمْرٍ فَظِيعٍ وَأَنْسُبَكَ إلَى مَا لَا يُحْتَمَلُ، قَالَ: لَا أُبَالِي. فَافْعَلْ مَا بَدَا لَكَ فَإِنِّي لَا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 167
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست