responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 134
فَإِنْ قِيلَ: فَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَدْ خَالَفَ عَائِشَةَ وَمَنْ ذَكَرْتُمْ، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ ذَاتُ قَوْلَيْنِ لِلصَّحَابَةِ، وَهِيَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ.
قِيلَ: لَمْ يَقُلْ زَيْدٌ قَطُّ إنَّ هَذَا حَلَالٌ، وَلَا أَفْتَى بِهَا يَوْمًا مَا، وَمَذْهَبُ الرَّجُلِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِهِ؛ إذْ لَعَلَّهُ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ ذَاهِلًا أَوْ غَيْرَ مُتَأَمِّلٍ وَلَا نَاظِرٍ أَوْ مُتَأَوِّلًا أَوْ ذَنْبًا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ وَيَتُوبُ أَوْ يُصِرُّ عَلَيْهِ وَلَهُ حَسَنَاتٌ تُقَاوِمُهُ، فَلَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْعِلْمُ عِلْمُ الرِّوَايَةِ، يَعْنِي أَنْ يَقُولَ: رَأَيْت فُلَانًا يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا؛ إذْ لَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَهُ سَاهِيًا، وَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: لَا تَنْظُرْ إلَى عَمَلِ الْفَقِيهِ، وَلَكِنْ سَلْهُ يَصْدُقْكَ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ إنْكَارِ عَائِشَةَ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ الْكَبِيرَ الشَّيْءَ مَعَ ذُهُولِهِ عَمَّا فِي ضِمْنِهِ مِنْ مَفْسَدَةٍ فَإِذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُحْتَمِلًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَغَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْحُكْمِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ جَوَازُ الْعِينَةِ، لَا سِيَّمَا وَأُمُّ وَلَدِهِ قَدْ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ تَسْتَفْتِيهَا فَأَفْتَتْهَا بِأَخْذِ رَأْسِ مَالِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا جَازِمَيْنِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَجَوَازِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَأَيْضًا فَبَيْعُ الْعِينَة إنَّمَا يَقَعُ غَالِبًا مِنْ مُضْطَرٍّ إلَيْهَا، وَإِلَّا فَالْمُسْتَغْنِي عَنْهَا لَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فِي مُقَابِلَةِ أَلْفٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَبَيْعِ الْغَرَرِ، وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ» .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ: " سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وَيَنْهَرُ الْأَشْرَارُ، وَيُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ، وَيُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُطْعِمَ» .
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ كَوْثَرِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ مَكْحُولٍ: بَلَغَنِي عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ بَعْدَ زَمَانِكُمْ هَذَا زَمَانًا عَضُوضًا، يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] وَيَنْهَدُ شِرَارُ خَلْقِ اللَّهِ، يُبَايِعُونَ كُلَّ مُضْطَرٍّ، أَلَا أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ حَرَامٌ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخُونُهُ، إنْ كَانَ عِنْدَك خَيْرٌ فَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيك وَلَا تَزِدْهُ هَلَاكًا إلَى هَلَاكِهِ» وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْعِينَةُ إنَّمَا تَقَعُ مِنْ رَجُلٍ مُضْطَرٍّ إلَى نَفَقَةٍ يَضِنُّ بِهَا عَلَيْهِ الْمُوسِرُ بِالْقَرْضِ حَتَّى يَرْبَحَ عَلَيْهِ فِي الْمِائَةِ مَا أَحَبَّ، وَهَذَا الْمُضْطَرُّ إنْ أَعَادَ السِّلْعَةَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 134
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست