responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 133
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً، وَعِنْدَ الْحُفَّاظِ إذَا كَانَ فِيهِ قِصَّةٌ دَلَّهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَحْفُوظٌ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَتْنِي امْرَأَتِي الْعَالِيَةُ، قَالَتْ: دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَتْ: مَا حَاجَتُكُنَّ؟ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَهَا أُمُّ مَحَبَّةٍ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ تَعْرِفِينَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَإِنِّي بِعْته جَارِيَةً لِي بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ، وَإِنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا فَابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ غَضْبَى، فَقَالَتْ: بِئْسَمَا شَرَيْت، وَبِئْسَمَا اشْتَرَيْت، أَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَأَفْحَمَتْ صَاحِبَتَنَا فَلَمْ تَكَلَّمْ طَوِيلًا، ثُمَّ إنَّهَا سَهُلَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْت إنْ لَمْ آخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِي؟ فَتَلَتْ عَلَيْهَا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275]
وَأَيْضًا فَهَذَا الْحَدِيثُ إذَا انْضَمَّ إلَى تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَفَادَتْ بِمَجْمُوعِهَا الظَّنَّ الْغَالِبَ إنْ لَمْ تُفِدْ الْيَقِينَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ آثَارَ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مُوَافِقَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ، مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ، مُفَسِّرَةٌ لَهُ.
وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي لَعَنَتْ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَبَالَغَتْ فِي تَحْرِيمِهِ، وَآذَنَتْ صَاحِبَهُ بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَنْ تُبِيحَهُ بِأَدْنَى الْحِيَلِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْمَفْسَدَةِ؟ وَلَوْلَا أَنَّ عِنْدَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسْتَرِيبُ فِيهِ وَلَا تَشُكُّ بِتَحْرِيمِ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ لَمَا أَقْدَمَتْ عَلَى الْحُكْمِ بِإِبْطَالِ جِهَادِ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاجْتِهَادِهَا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ قَصَدَتْ أَنَّ الْعَمَلَ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ، وَاسْتِحْلَالُ الرِّبَا رِدَّةٌ، وَلَكِنَّ عُذْرَ زَيْدٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ، كَمَا عُذِرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِإِبَاحَتِهِ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهَا هَذَا، بَلْ قَصَدَتْ أَنَّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُقَاوِمُ إثْمُهَا ثَوَابَ الْجِهَادِ وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً وَسَيِّئَةً بِقَدْرِهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا اجْتِهَادًا مِنْهَا لَمْ تَمْنَعْ زَيْدًا مِنْهُ، وَلَمْ تَحْكُمْ بِبُطْلَانِ جِهَادِهِ، وَلَمْ تَدْعُهُ إلَى التَّوْبَةِ؛ فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُحَرِّمُ الِاجْتِهَادَ، وَلَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ عَمَلِ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَهِدِ بِمُخَالَفَتِهِ لِاجْتِهَادِ نَظِيرِهِ، وَالصَّحَابَةُ - وَلَا سِيَّمَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - أَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَفْقَهُ فِي دِينِهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ أَفْتَوْا بِتَحْرِيمِ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ، وَغَلَّظُوا فِيهَا هَذَا التَّغْلِيظَ فِي أَوْقَاتٍ وَوَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ؛ فَلَمْ يَجِئْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 133
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست