responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 124
يَقُولُ لِلْمَرْأَةِ: " أَنْكِحِينِي نَفْسَك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ " وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَمَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الزِّنَا، وَمِنْ هَذَا تَحْرِيمُ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ الَّذِي لَا رَغْبَةَ لِلنَّفْسِ فِيهِ فِي إمْسَاكِ الْمَرْأَةِ وَاِتِّخَاذِهَا زَوْجَةً بَلْ لَهُ وَطَرٌ فِيمَا يَقْضِيه بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الصُّورَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ الَّذِي يَعْقِدُ فِيهِ الْمُتَمَتِّعُ عَلَى الْمَرْأَةِ مُدَّةً يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْهَا فِيهَا؛ فَحَرَّمَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا سَدًّا لِذَرِيعَةِ السِّفَاحِ، وَلَمْ يُبِحْ إلَّا عَقْدًا مُؤَبَّدًا يَقْصِدُ فِيهِ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْمَقَامَ مَعَ صَاحِبِهِ وَيَكُونُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ الْإِعْلَانِ؛ فَإِذَا تَدَبَّرْت حِكْمَةَ الشَّرِيعَةِ وَتَأَمَّلْتهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ رَأَيْت تَحْرِيمَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ، هِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَكَمَالِهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: أَنَّهُ مَنَعَ الْمُتَصَدِّقَ مِنْ شِرَاءِ صَدَقَتِهِ وَلَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ فِي السُّوقِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْعَوْدِ فِيمَا خَرَجَ عَنْهُ لِلَّهِ وَلَوْ بِعِوَضِهِ؛ فَإِنَّ الْمُتَصَدِّقَ إذَا مُنِعَ مِنْ تَمَلُّكِ صَدَقَتِهِ بِعِوَضِهَا فَتَمَلُّكُهُ إيَّاهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَشَدُّ مَنْعًا وَأَفْطَمُ لِلنُّفُوسِ عَنْ تَعَلُّقِهَا بِمَا خَرَجَتْ عَنْهُ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَنْعِ مِنْ شِرَائِهَا مُطْلَقًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى التَّحَيُّلِ عَلَى الْفَقِيرِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ صَدَقَةَ مَالِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا، وَيَرَى الْمِسْكِينُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ - مَعَ حَاجَتِهِ - فَتَسْمَحُ نَفْسُهُ بِالْبَيْعِ، وَاَللَّهُ عَالِمٌ بِالْأَسْرَارِ، فَمِنْ مَحَاسِنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ وَمَنْعُ الْمُتَصَدِّقِ مِنْ شِرَاءِ صَدَقَتِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى أَكْلِ مَالِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ حَقٍّ إذَا كَانَتْ مُعَرَّضَةً لِلتَّلَفِ، وَقَدْ يَمْنَعُهَا اللَّهَ، وَأَكَّدَ هَذَا الْغَرَضَ بِأَنْ حَكَمَ لِلْمُشْتَرِي بِالْجَائِحَةِ إذَا تَلِفَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْجَائِزِ، كُلُّ هَذَا لِئَلَّا يُظْلَمَ الْمُشْتَرِي وَيُؤْكَلَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: أَنَّهُ نَهَى الرَّجُلَ بَعْدَ إصَابَةِ مَا قُدِّرَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْدِي عَلَيْهِ إلَّا الْحُزْنُ وَالنَّدَمُ وَضِيقَةُ الصَّدْرِ وَالسُّخْطُ عَلَى الْمَقْدُورِ وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ دَفْعُ الْمَقْدُورِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يُضْعِفُ رِضَاهُ وَتَسْلِيمَهُ وَتَفْوِيضَهُ وَتَصْدِيقَهُ بِالْمَقْدُورِ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَإِذَا أَعْرَضَ الْقَلْبُ عَنْ هَذَا انْفَتَحَ لَهُ عَمَلُ الشَّيْطَانِ، وَمَا ذَاكَ لِمُجَرَّدِ لَفْظِ " لَوْ " بَلْ لِمَا قَارَنَهَا مِنْ الْأُمُورِ الْقَائِمَةِ بِقَلْبِهِ الْمُنَافِيَةِ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ الْفَاتِحَةِ لِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بَلْ أَرْشَدَ الْعَبْدَ فِي هَذِهِ الْحَالِ إلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِالْقَدْرِ وَالتَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْمَشِيئَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَلَا بُدَّ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَى وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ، فَصَلَوَاتُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 124
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست