responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 160
وَأَمَّا سُلُوكُهُمْ ضِدَّ طَرِيقِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ طَرِيقَهُمْ طَلَبُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَضَبْطُهَا وَالنَّظَرُ فِيهَا وَعَرْضُهَا عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْوَالِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، فَمَا وَافَقَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبِلُوهُ، وَدَانُوا اللَّهَ بِهِ، وَقَضَوْا بِهِ، وَأَفْتَوْا بِهِ، وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ مِنْهَا لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ، وَرَدُّوهُ، وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ سَائِغَةَ الِاتِّبَاعِ لَا وَاجِبَةَ الِاتِّبَاعِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْزِمُوا بِهَا أَحَدًا، وَلَا يَقُولُوا: إنَّهَا الْحَقُّ دُونَ مَا خَالَفَهَا، هَذِهِ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْخَلَفُ فَعَكَسُوا الطَّرِيقَ، وَقَلَبُوا أَوْضَاعَ الدِّينِ، فَزَيَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَأَقْوَالَ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَعَرَضُوهَا عَلَى أَقْوَالِ مَنْ قَلَّدُوهُ، فَمَا وَافَقَهَا مِنْهَا قَالُوا لَنَا وَانْقَادُوا لَهُ مُذْعِنِينَ، وَمَا خَالَفَ أَقْوَالَ مَتْبُوعِهِمْ مِنْهَا قَالُوا: احْتَجَّ الْخَصْمُ بِكَذَا وَكَذَا، وَلَمْ يَقْبَلُوهُ، وَلَمْ يَدِينُوا بِهِ.
وَاحْتَالَ فُضَلَاؤُهُمْ فِي رَدِّهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَتَطَلَّبُوا لَهَا وُجُوهَ الْحِيَلِ الَّتِي تَرُدُّهَا، حَتَّى إذَا كَانَتْ مُوَافِقَةً لِمَذَاهِبِهِمْ وَكَانَتْ تِلْكَ الْوُجُوهُ بِعَيْنِهَا قَائِمَةً فِيهَا شَنَّعُوا عَلَى مُنَازِعِهِمْ، وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ رَدَّهَا بِتِلْكَ الْوُجُوهِ بِعَيْنِهَا، وَقَالُوا: لَا تُرَدُّ النُّصُوصُ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَنْ لَهُ هِمَّةٌ تَسْمُو إلَى اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ وَنَصْرِ الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ أَيْنَ كَانَ وَمَعَ مَنْ كَانَ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ هَذَا الْمَسْلَكِ الْوَخِيمِ وَالْخُلُقِ الذَّمِيمِ.
[ذَمَّ اللَّهُ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ]
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ التَّقْلِيدِ بِأَعْيَانِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفُوا لَمْ يُفَرِّقُوا دِينَهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا شِيَعًا، بَلْ شِيعَةً وَاحِدَةً مُتَّفِقَةً عَلَى طَلَبِ الْحَقِّ، وَإِيثَارِهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَهُمْ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدْ اتَّفَقَتْ مَقَاصِدُهُمْ وَطَرِيقُهُمْ؛ فَالطَّرِيقُ وَاحِدٌ، وَالْقَصْدُ وَاحِدٌ، وَالْمُقَلَّدُونَ بِالْعَكْسِ: مَقَاصِدُهُمْ شَتَّى، وَطُرُقُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَيْسُوا مَعَ الْأَئِمَّةِ فِي الْقَصْدِ وَلَا فِي الطَّرِيقِ.
[ذَمَّ اللَّهُ الَّذِينَ تُقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ زُبُرًا]
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ الَّذِينَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وَالزُّبُرُ: الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ الَّتِي رَغِبُوا بِهَا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] فَأَمَرَ تَعَالَى الرُّسُلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ أُمَمَهُمْ: أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 160
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست