responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 218
بِغَيْرِهِ وَالْحَقِيقَةُ وَاحِدَةٌ؟ هَذَا مِمَّا تُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَأَصْحَابُ الْحِيَلِ تَرَكُوا مَحْضَ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ مَا احْتَالُوا عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ مُسَاوٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَهَا فِي الْقَصْدِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَالْفَارِقُ أَمْرٌ صُورِيٌّ أَوْ لَفْظِيٌّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَضُمَّ إلَى أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ خِرْقَةً تُسَاوِي فَلْسًا أَوْ عُودَ حَطَبٍ أَوْ أُذُنَ شَاةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ؟ فَسُبْحَانَ اللَّهِ، مَا أَعْجَبَ حَالَ هَذِهِ الضَّمِيمَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا تُقْصَدُ، كَيْفَ جَاءَتْ إلَى الْمَفْسَدَةِ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِحَرْبِ مَنْ تَوَسَّلَ إلَيْهَا بِعَقْدِ الرِّبَا فَأَزَالَتْهَا وَمَحَتْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ قَلَبَتْهَا مَصْلَحَةً، وَجَعَلَتْ حَرْبَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ سِلْمًا وَرِضًا؟ وَكَيْفَ جَاءَ مُحَلِّلُ الرِّبَا الْمُسْتَعَارُ الَّذِي هُوَ أَخُو مُحَلِّلِ النِّكَاحِ إلَى تِلْكَ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ فَكَشَطَهَا كَشْطَ الْجِلْدِ عَنْ اللَّحْمِ بَلْ قَلَبَهَا مَصَالِحَ بِإِدْخَالِ سِلْعَةٍ بَيْنَ الْمُرَابِيَيْنِ تَعَاقَدَا عَلَيْهَا صُورَةً ثُمَّ أُعِيدَتْ إلَى مَالِكِهَا؟ وَلِلَّهِ مَا أَفْقَهَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الدِّينِ وَأَعْلَمهُ بِالْقِيَاسِ وَالْمِيزَانِ، حَيْثُ سُئِلَ عَمَّا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ فَقَالَ: دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا جَرِيرَةٌ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ اهْتَدَتْ هَذِهِ الْجَرِيرَةُ لِقَلْبِ مَفْسَدَةِ الرِّبَا مَصْلَحَةً وَلَعْنَةَ آكِلِهِ رَحْمَةً وَتَحْرِيمَهُ إذْنًا وَإِبَاحَةً؟
ثُمَّ أَيْنَ الْقِيَاسُ وَالْمِيزَانُ فِي إبَاحَةِ الْعِينَةِ الَّتِي لَا غَرَضَ لِلْمُرَابِيَيْنِ فِي السِّلْعَةِ قَطُّ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُمَا مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُمَا وَالْحَاضِرُونَ مِنْ أَخْذِ مِائَةٍ حَالَّةً وَبَذْلِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مُؤَجَّلَةً، لَيْسَ لَهُمَا غَرَضٌ وَرَاءَ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ: إذَا أَرَدْتُمْ حِلَّ هَذَا فَتَحَيَّلُوا عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا آكِلُ الرِّبَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا لِلْمُرَابِي بِنَقْدٍ حَاضِرٍ فَيَنْصَرِفَانِ عَلَى مِائَةٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَالسِّلْعَةُ حَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ؟
وَهَلْ هَذَا إلَّا عُدُولٌ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَتَفْرِيقٌ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْقَصْدِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؟ بَلْ مَفْسَدَةُ الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ الرِّبَا الْخَالِي عَنْ الْحِيلَةِ، فَلَوْ لَمْ تَأْتِ الشَّرِيعَةُ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الْحِيَلِ لَكَانَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْمِيزَانِ الْعَادِلِ يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا، وَلِهَذَا عَاقَبَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مَنْ احْتَالَ عَلَى اسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ بِمَا لَمْ يُعَاقِبْ بِهِ مَنْ ارْتَكَبَ ذَلِكَ الْمُحَرَّمَ عَاصِيًا، فَهَذَا مِنْ جِنْسِ الذُّنُوبِ الَّتِي يُتَابُ مِنْهَا، وَذَاكَ مِنْ جِنْسِ الْبِدَعِ الَّتِي يَظُنُّ صَاحِبُهَا أَنَّهُ مِنْ الْمُحْسِنِينَ.
وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ تَنَاقُضِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ فِيهِ، وَأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا فَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ مَعًا فِي الطَّلَاقِ فَقُلْتُمْ: لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِإِيقَاعِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُمَا مَعًا فِي الْخُلْعِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ، وَفُرْقَتُهُمْ بَيْنَ [الْأَمْرَيْنِ] بِمَا لَا يُجْدِي شَيْئًا، وَهُوَ أَنَّ الْخَلْع كَالْبَيْعِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الِانْفِرَادُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست