responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 142
الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اسْتِيفَاءِ الْأَعْمَالِ وَإِحْرَازِ الْأُجُورِ وَجَدَ هَذَا الْعَامِلُ عَمَلَهُ قَدْ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ صَاحِبَ هَذِهِ الْجَنَّةِ، فَحَسْرَتُهُ حِينَئِذٍ أَشَدُّ مِنْ حَسْرَةِ هَذَا عَلَى جَنَّتِهِ.
فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْحَسْرَةِ لِسَلْبِ النِّعْمَةِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا مَعَ عِظَمِ قَدْرِهَا وَمَنْفَعَتِهَا، وَاَلَّذِي ذَهَبَتْ عَنْهُ قَدْ أَصَابَهُ الْكِبَرُ وَالضَّعْفُ فَهُوَ أَحْوَجُ مَا كَانَ إلَى نِعْمَتِهِ، وَمَعَ هَذَا فَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَفْعِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، بَلْ هُمْ فِي عِيَالِهِ فَحَاجَتُهُ إلَى نِعْمَتِهِ حِينَئِذٍ أَشَدُّ مَا كَانَتْ لِضَعْفِهِ وَضَعْفِ ذُرِّيَّتِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ هَذَا إذَا كَانَ لَهُ بُسْتَانٌ عَظِيمٌ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْفَوَاكِهِ وَالثَّمَرِ، وَسُلْطَانُ ثَمَرِهِ أَجَلُّ الْفَوَاكِهِ وَأَنْفَعُهَا، وَهُوَ ثَمَرُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ، فَمُغَلَّهُ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ ذُرِّيَّتِهِ، فَأَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ وَجَدَهُ مُحْتَرِقًا كُلَّهُ كَالصَّرِيمِ، فَأَيُّ حَسْرَةٍ أَعْظَمُ مِنْ حَسْرَتِهِ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُخْتَمُ لَهُ بِالْفَسَادِ فِي آخَرِ عُمْرِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا مَثَلُ الْمُفَرِّطِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَ السُّدِّيَّ: هَذَا مَثَلُ الْمُرَائِي فِي نَفَقَتِهِ الَّذِي يُنْفِقُ لِغَيْرِ اللَّهِ، يَنْقَطِعُ عَنْهُ نَفْعُهَا أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إلَيْهِ، وَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الصَّحَابَةَ يَوْمًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ، وَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قُلْ يَا ابْنَ أَخِي وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَك، قَالَ: ضَرَبَ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ: لِأَيِّ عَمَلٍ؟ لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِالْحَسَنَاتِ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ كُلَّهَا؛ قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا مَثَلٌ قَلَّ وَاَللَّهِ مَنْ يَعْقِلُهُ مِنْ النَّاسِ، شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعُفَ جِسْمُهُ وَكَثُرَ صِبْيَانُهُ أَفْقَرُ مَا كَانَ إلَى جَنَّتِهِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ وَاَللَّهِ أَفْقَرُ مَا يَكُونُ إلَى عَمَلِهِ إذَا انْقَطَعَتْ عَنْهُ الدُّنْيَا.
فَصْلٌ.
[الرِّيَاءُ وَالْمَنُّ وَالْأَذَى تُبْطِلُ الْأَعْمَالَ]
فَإِنْ عَرَضَ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ مِنْ الصَّدَقَاتِ مَا يُبْطِلُهَا مِنْ الْمَنِّ وَالْأَذَى وَالرِّيَاءِ؛ فَالرِّيَاءُ يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا سَبَبًا لِلثَّوَابِ، وَالْمَنُّ وَالْأَذَى يُبْطِلُ الثَّوَابَ الَّذِي كَانَتْ سَبَبًا لَهُ، فَمَثَلُ صَاحِبِهَا وَبُطْلَانِ عَمَلِهِ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ - وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ - عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ - وَهُوَ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ - فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَتَأَمَّلْ أَجْزَاءَ هَذَا الْمَثَلِ الْبَلِيغِ، وَانْطِبَاقِهَا عَلَى أَجْزَاءِ الْمُمَثَّلِ بِهِ، تَعْرِفْ عَظَمَةَ الْقُرْآنِ وَجَلَالَتَهُ، فَإِنَّ الْحَجَرَ فِي مُقَابِلَةِ قَلْبِ هَذَا الْمُرَائِي وَالْمَانِّ وَالْمُؤْذِي، فَقَلْبُهُ فِي قَسْوَتِهِ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْإِحْسَانِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ، وَالْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ التُّرَابِ الَّذِي عَلَى ذَلِكَ الْحَجَرِ؛ فَقَسْوَةُ مَا تَحْتَهُ وَصَلَابَتُهُ تَمْنَعُهُ مِنْ النَّبَاتِ وَالثَّبَاتِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَابِلِ؛ فَلَيْسَ لَهُ مَادَّةٌ مُتَّصِلَةٌ بِاَلَّذِي يَقْبَلُ الْمَاءَ وَيُنْبِتُ الْكَلَأَ،

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست