responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 141
وَلَك أَنْ تَجْعَلَ هَذَا مِنْ التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ، وَأَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ التَّشْبِيهِ الْمُفَرَّقِ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ الْمُرَكَّبِ كَانَ تَشْبِيهًا لِلْكُفَّارِ فِي عَدَمِ فِقْهِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِالْغَنَمِ الَّتِي يَنْعَقُ بِهَا الرَّاعِي فَلَا تَفْقَهُ مِنْ قَوْلِهِ شَيْئًا غَيْرَ الصَّوْتِ الْمُجَرَّدِ هُوَ الدُّعَاءُ وَالنِّدَاءُ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ التَّشْبِيهِ الْمُفَرَّقِ فَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ، وَدُعَاءُ دَاعِيهمْ إلَى الطَّرِيقِ وَالْهُدَى بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَنْعِقُ بِهَا، وَدُعَاؤُهُمْ إلَى الْهُدَى بِمَنْزِلَةِ النَّعْقِ، وَإِدْرَاكُهُمْ مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ وَالنِّدَاءِ كَإِدْرَاكِ الْبَهَائِمِ مُجَرَّدَ صَوْتِ النَّاعِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261] شَبَّهَ سُبْحَانَهُ نَفَقَةَ الْمُنْفِقِ فِي سَبِيلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِهَادُ أَوْ جَمِيعُ سُبُلِ الْخَيْرِ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، بِمَنْ بَذَرَ بَذْرًا فَأَنْبَتَتْ كُلُّ حَبَّةٍ مِنْهُ سَبْعَ سَنَابِلَ اشْتَمَلَتْ كُلُّ سُنْبُلَةٍ عَلَى مِائَةِ حَبَّةٍ، وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ فَوْقَ ذَلِكَ بِحَسْبِ حَالِ الْمُنْفِقِ وَإِيمَانِهِ وَإِخْلَاصِهِ وَإِحْسَانِهِ وَنَفْعِ نَفَقَتِهِ وَقَدْرِهَا وَوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا؛ فَإِنَّ ثَوَابَ الْإِنْفَاقِ يَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ مَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَالتَّثْبِيتِ عِنْدَ النَّفَقَةِ، وَهُوَ إخْرَاجُ الْمَالِ بِقَلْبٍ ثَابِتٍ قَدْ انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِإِخْرَاجِهِ، وَسَمَحَتْ بِهِ نَفْسُهُ، وَخَرَجَ مِنْ قَلْبِهِ خُرُوجَهُ مِنْ يَدِهِ، فَهُوَ ثَابِتُ الْقَلْبِ عِنْدَ إخْرَاجِهِ، غَيْرُ جَزِعٍ وَلَا هَلِعٍ وَلَا مُتْبِعِهِ نَفْسَهُ تَرْجُفُ يَدُهُ وَفُؤَادُهُ، وَيَتَفَاوَتُ بِحَسْبِ نَفْعِ الْإِنْفَاقِ وَمَصَارِفِهِ بِمَوَاقِعِهِ، وَبِحَسْبِ طِيبِ الْمُنْفِقِ وَزَكَاتِهِ وَتَحْتَ هَذَا الْمَثَلِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ شَبَّهَ الْإِنْفَاقَ بِالْبَذْرِ.
فَالْمُنْفِقُ مَالَهُ الطَّيِّبَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ بَاذِرٌ مَالَهُ فِي أَرْضٍ زَكِيَّةِ، فَمُغِلُّهُ بِحَسْبِ بَذْرِهِ وَطِيبِ أَرْضِهِ وَتَعَاهُدِ الْبَذْرِ بِالسَّقْيِ وَنَفْيِ الدَّغَلِ وَالنَّبَاتِ الْغَرِيبِ عَنْهُ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ وَلَمْ تُحْرِقْ الزَّرْعَ نَارٌ وَلَا لَحِقَتْهُ جَائِحَةٌ جَاءَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، وَكَانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي تَكُونُ الْجَنَّةُ فِيهِ نُصْبَ الشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ فَتَتَرَبَّى الْأَشْجَارُ هُنَاكَ أَتَمَّ تَرْبِيَةٍ فَنَزَلَ عَلَيْهَا مِنْ السَّمَاءِ مَطَرٌ عَظِيمُ الْقَطْرِ مُتَتَابِعٌ فَرَوَاهَا وَنَمَّاهَا فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْ مَا يُؤْتِيهِ غَيْرُهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ الْوَابِلِ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ: مَطَرٌ صَغِيرُ الْقَطْرِ، يَكْفِيهَا لِكَرَمِ مَنْبَتِهَا؛ يَزْكُو عَلَى الظِّلِّ وَيَنْمِي عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ فِي ذِكْرِ نَوْعَيْ الْوَابِلِ وَالطَّلِّ إشَارَةً إلَى نَوْعَيْ الْإِنْفَاقِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ.
فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ إنْفَاقُهُ وَابِلًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إنْفَاقُهُ طَلًّا، وَاَللَّهُ لَا يُضِيعُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، فَإِنْ عَرَضَ لِهَذَا الْعَامِلِ مَا يُغْرِقُ أَعْمَالَهُ وَيُبْطِلُ حَسَنَاتِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 141
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست